مشروع قانون ضريبة الدخل بين الوفرة و العدالة
عيسى عبدالرحيم الحياري
12-05-2018 04:47 PM
من المعروف أن التشريع الضريبي يعتبر انعكاساً لظروف المجتمع و أوضاعه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و لما كانت هذه الظروف و الأوضاع مختلفة و متغيرة من وقت لآخر نتيجة التغيرات و التطورات الدولية التي تنقل مجتمعاً ما من مرحلة إلى أخرى قد تكون متقدمة و متطورة و قد تكون علة العكس تماماً , لذلك فإن التشريع الضريبي يجب أن يساير و يلائم ظروف كل مرحلة من المراحل .
و لما كانت الضريبة بشكل عام و ضريبة الدخل بشكل عام خاص أداة فعالة لتحقيق أهداف الدولة المالية و الاقتصادية و الاجتماعية , فالمطلوب إذاً من الضريبة على الدخل التوفيق بين وفرة المال للخزينة العامة و تشجيع الادخار و الاستثمار و تحقيق العدالة الاجتماعية "و هنا أستشهد بمؤلف الدكتور المحامي جهاد الخصاونة مطرح الضريبة على الدخل – منشورات نقابة المحامين 1995”.
مما سبق نرى أن الضريبة عنوان مشاركة و ولاء و مواطنة و تبعية بالنسبة للمتمتعين بجنسية تلك الدولة التي حققت الضريبة على مواطنيها و ساهموا في تمويل نفقاتها , و دون اعتبارها صدقة أو منة من قبل المكلف بدفع الضريبة , و هذا القول يأتي انسجاماً مع القاعدة المشهورة في علم المالية العامة " خزينة الدولة جيوب رعاياها " .
و قد حرص المشرع الأردني على النص على الضرائب في القانون الأساسي للدولة لما لها من حسنات في توزيع الثروات و تحقيق العدالة الاجتماعية ، فقد نصت الماد (111) من الدستور الأردني على ما يلي :
" لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون و لا تدخل في بابها أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة ، و على الحكومة أن تأخذ في فرض الضرائب مبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق العدالة و المساواة الاجتماعية ، و أن لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الأداء و حاجة الدولة للمال . "
باستقراء نصوص مشروع قانون الضريبة المعدل نجد أنه يخالف ما ورد في المادة (111) من الدستور المشار إليه جملة و تفصيلاً ، ذلك أن الدولة الأردنية تمر بظروف مالية صعبة انعكست على كافة المواطنين و الاستثمار بشكل عام ، فبدلاً من أن تتقدم الحكومة بمشروع قانون يوائم ما بين الوفرة و العدالة ، أي ما بين حاجة الدولة إلى المال و قدرة المكلفين على الدفع ، نجد أن المشروع جاء جبائي بامتياز و طارد للاستثمار و يحمل في ثناياه قانون عقوبات و ليس قانون ضريبة كما أشرت سابقاً , حيث أن من المفروض أن يكون التشريع و في هذه المرحلة الصعبة جاذباً للاستثمار و يحقق أهداف اجتماعية و اقتصادية و سياسية تصب في مصلحة الدولة الأردنية و رعاياها ، فقد جاء مشروع القانون بجملة نصوص مؤداها تغليظ العقوبات بصورة مخالفة لقانون أصول المحاكمات الجزائية و قانون العقوبات ، فضلاً عن قيام المشرع بزيادة عدد الشرائح الضريبية من جهة و تقليص الإعفاءات من جهة أخرى بدلاً من تخفيف العقوبات ، ذلك أن معظم قضايا التهرب الضريبي تكون ناتجة عن أخطاء في التبليغات كون القانون النافذ و في المادة (59) منه يخضع للاجتهادات المتناقضة بتفسيره بدلاً أن يكون واضحاً و شفافاً ، و أرى هنا أن يتم تطبيق إلغاء نص المادة (59) من القانون رقم (34) لسنة 2014 و استبداله بنص المادة (5) من قانون أصول المحاكمات المدنية و بما يتلائم مع قانون ضريبة الدخل ، كذلك نجد أحياناً مكلفين لا يستطيعون الطعن بقرارات التقدير بسبب عدم توفر الرسوم لديهم من جهة و أحياناً بسبب وجود خلافات ما بين الشركاء و المفوضين بالتوقيع تحول دون تقديم دعاوى للطعن بالقرارات الصادرة من دائرة الضريبة سيما و أن الخلافات تتفاقم ما بين الشركاء بوضع اقتصادي صعب و بسبب الخسائر التي منيوا بها .
لكل ما تقدم فإنني أقترح بأن يتم حوار وطني شامل تشارك به كافة القطاعات التجارية و الصناعية و الزراعية و المهنية بما في ذلك النقابات المهنية للوصول إلى تشريع عادل يوائم ما بين الوفرة و العدالة و تحقيق أهداف الدولة الأردنية بكافة مناحي الحياة .
و الله من وراء القصد