الحكمة والقضاء سبيلنا لانهاء الخلافات العشائرية
سارة طالب السهيل
12-05-2018 03:18 PM
ظل الشعب الاردني بكل اطيافه السياسية والعشائرية والقبلية مصطفا خلف قيادته الهاشمية طوال قرن من الزمان ادراكا منهم بأهمية وحدة الصف في مواجهة التحديات التي تواجه أمنه الداخلي وحفاظا علي مكتسبات الدولة الاردنية الحديثة في تحقيق الامن والسلام لمواطنيها.
ومعروف ان شعب الاردن من أكثر الشعوب العربية تعليما وثقافة ووعيا وادراكا للتحديات التي تواجه استقرار المنطقة العربية ومؤامرات تفتيته وتمزيقه الي دويلات كما يجري بسوريا الشقيق واليمن ومن قبلهما العراق الذي يحاول جاهدا استعادة سلامته وامنه القومي والاقليمي.
ولذلك فان شعب الاردن ملتف جدا حول القيادة الهاشميه ثقتة بها من ناحية، وادراكا منه لخطورة اي مؤامراة قد تعرض لمخاطر ما حدث في بعض دول الجوار العربي من جانب أخر.
فقد ورث الشعب الاردني حب الملك عبدالله من حبهم للمغفور له الملك الحسين، وأثبت الملك عبد الله انه شبل الأسد يقف صامدا امام تحديات اسرائيل وابتلاعها للأراضي العربية بفلسطين واستمرارها كتحدي أمني يهدد أمن الاردن، كما وقف الملك عبد الله صامد في مواجهة الضغوط الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الاردن وكل الدول العربية رغم قلة موارد البلاد.
واليوم، فان الاحداث الدامية التي جرت بين قبيلتين من أعرق القبائل الاردنية وما صاحبها من وقوع اعمال شغب وعنف يخالف طبيعة الشعب الاردني المسالم والمحافظ بفطرته علي قيمه العربية الأصيلة ووحدته وترابطه.
لا بد من وقفة ثناء على العشائر الاردنية لما تتمتع بِه من حكمة و تروي في ردود الأفعال اتجاه بعض القضايا المندسة لتعكير صفو الجو الاردني ومواقفه الموحدة اتجاه حماية الارض و الشعب و الوطن فما مر به المجتمع الاردني من ايام لقضية اثارتها احدى السيدات ما زاد الوطن الا تضامنا و ما زاد العشائر الا توحدا و التفافا حول قيادته الهاشميه
تباين الرؤي
وقد تباينت وجهات النظر الاجتماعي لهذه الاحداث المؤسفة التي جرت فمنهم من أخدها من باب الأحاديث السطحيه و النميمه، وبعضهم تلقاها كقضية عشائرية، والبعض نظر اليها باعتبارها قضية اجتماعية تمس شباب وعلاقات فاسدة، وأخرين رأها مجرد زوبعة أدت لي بلبلة الافكار، ولكني احببت ان اساهم بالقلم في زيادة توعية الناس في درء الفتن و تصور ماذا لو كان خلف هذه الاحداث من باب التخيل مؤامرة خارجية تستهدف الامن والاستقرار بالاردن واضعاف تماسكه الاجتماعي داخليا.
وان كنت اتمنى كأردنية أفدي وطني وكل ذرة من ترابه بدمي، أن ألا تكون ورائها مؤامرة خارجية، ورغم علمي بأننا وطن قوي وجشينا أقوى، لكني أضع هذه الفرضية، من باب الاحتياط والحذر ومن ثم فاننا مطالبون جميعا الحذر من الآن فصاعدا من وقوع أحداث مشابهة اجتماعيه أو عائليه أو رياضيه قد تستخدم ويتم استغلالها لخلق بلبله وفوضى يتمكن من خلالها اعدائنا بتدمير حياتنا ومستقبلنا.
فلا أحد يمكنه مصادرة حق ابناء المجتمع في مواجهة أي شكل من أشكال الفساد، ولكن ليس باعمال العنف والتدمير والحرق وتضييع هيبة الدولة والقانون الذي توافق عليه ابناء الشعب الاردني ليفصل في أي نزاع، واذا لم نحتكم للقانون، فان المجتمع بأسره سيتحول الي غابة.
من ناحية أخرى، فان هناك الكثير من الشواهد على ان الحكومة الأردينة لا تألوا جهدا في اعمال القانون ومحاسبة المخطئ أيا كانت وظيفته، وقد أثبت الشعب ثقته بالحكومه التي لا يمكن ان تأوي أي مواطن خار ج عن القانون بدليل قصة اقالة احد الحرس العام الماضي فقط لتجاوزه اثناء قيادته سيارته، فالمعروف لدى الجميع هذا الامر فلم ينجح المتآمرون بلعبتهم السخيفة.
في تقديري ان هذه القضية قد اتسعت رقعتها من مستصغر شرر بين قبيلتين، نتيجة اخطاء فردية فلا يجب ان دفع المجتمع الاردني ثمنها غاليا، خاصة بعد تطبيق الدخاله في القوانين العشائرية، ورغم انه تم ألغاؤه عام 1976، غير انه لا يزال ساري المفعول كعرف سائد في مجتمع القبائل، ويقصد به أن يستجير المعتدي، أو طالب الحق أحيانا، بأحد الشيوخ أو بوجهاء العشائر، فإذا كان المستجير طالب حق، فإن استجارته أو دخالته تأتي لطلب تحقيق العدل والمساواة في أمر يشعر أنه غُبن فيه.
ورغم انني لا أبرئ المعتدين بالضرب على الشاب "الفايز " لكن هذه الجريمة لا يمكن لأي عاقل ان يتصور تطورها الي شكل إشعال الحروب بين القبائل الاردنية خاصة وان الازمة اندلعت بين أكبر قبيلتين لهما من التاريخ والعراقة ما يحول دون التهور والجنوح بالشكل الذي شاهدناه.و هذا فعلا ما عملت بِه القبيلتين التان تجاوزتان الفتنه لما يربطهما من علاقات اخوية تجمعهم في وطن واحد ومصير مشترك
ولو افترضنا ان هذه الاحداث المؤسفة التي جرت بين القبيلتين العريقتين وقعت بتأثير المؤامرة الخارجيه ضد الاردن وشعبه من الأعداء ضد المملكة بلد الامن والأمان، فمن الممكن ان الاعداء استخدموا حيلهم والأعيبهم الدنيئة لاثارة الفتنة والوقيعه بين العشائر وبين الشعب والحرس، ومن يدرس المجتمع الاردني يعلم معنى كلمة الفزعة وخاصة للنساء وخاصة الأردنيات ويعلم معنى الدخاله، ويعلم أيضا ان كل المؤامرات المحاكة للأردن لم تنجح لخلق بلبلة وزعزعه وبقى التلاحم بين الشعب والحكومه والارض، فلجأوا الى حيلة تجريب استخدام النساء لجر العشائر لحروب شوارع وتناحر أهلي.
لكن حتى في هذه المرة لم ينجحوا فأثبتت العشائر الاردنيه ولائها للوطن ولملك البلاد، سواء الفايز اكبر عشيرة اردنيه بني صخر وأهمها، أو الشوابكة من اكبر عائلات الاردن وأهمها كذلك.
القضاء مربط الفرس
بوصول هذه الازمة الي ساحة القضاء فعلينا، ان نترك الامر للأجهزة المعنية لتفصل في هذا الخلاف عملا بقيم دولة القانون، وأن المتهمين سينالون العقوبة الرادعة عن جرائمهم القضاء، خاصة بعد سلمت قبيلة الشوابكة المتهمين الثمانية المطلوبين، الذين ظهروا في الفيديو، وطلبت عشيرة الشوابكة الوساطة من القضاء الأردني، ووجهاء عشائر، مؤكدة استعدادها التام لتقديم أبنائها للمحاكمة.
وهنا يتجلي دور احكام العقل وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن البلاد واستقرارها، عبر حكماء ووجهاء القبائل الذين ينبغي لهم الاسراع في اقتلاع جذور النزاع بين القبليتين.
وهو ما فعلته عشائر بني حميدة و العجارمة وغيرها من التجمعات العشائرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حين دعت في عدد من البيانات، إلى الاحتكام للعقل والحكمة في معالجة هذه القضية، وضرورة توخي الحذر من البيانات المشبوهة والدخلاء، الذين يستهدفون زعزعة امن واستقرار الوطن".
تفويت الفرصة
علينا نفعل مقولة الأثر الشعبي " رب ضارة نافعة " وان نستفيد من هذه الاحداث المؤسفة لنعمل معا على تحقيق وحدة نسيجنا الاجتماعي، وان نتعاون قبائل وعشائر في نبذ الخلافات ووئد الفتن التي يشعلها أعداء الوطن، وهذا لن يتحقق بمعزل ضبط النفس عند حدوث نازلة، والاحتكام الى الحوار المجتمعي العاقل والى الحكمة في ادارة أية أزمة اجتماعية، والتصدي لأي خلاف عشائري او قبلي او طائفي واجتثاثه قبل ان يستعر بالنار المحرقة.
وأظن ان روابطنا العربية الاصيلة وديننا الاسلامي و الدين المسيحي السمح يحثاننا على هذا التعاضد الاجتماعي، والى التعايش في ظل مجتمع آمن للجميع بعيدا عن تشرذم اية عصبية.
وكما قال الله تعالي في محكم كتابه بسورة المائدة " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان " .
وانني لادعو شيوخ وحكماء قبيلتي بني صخر والشوابكة الذين أكن لهم كل تقدير واحترام ان يتعاونا معا علي تجاوز هذه الازمة سريعا، وتهدئة شبابها في كلا الطرفين، وحصرالخلاف في ساحة القضاء ليفصل في الأمر.
ولكن هذه الازمة مدعاة للتعاون بينهما وبني كل العشائر الأردنية في الانتصار للحق ضد كل أشكال الظلم والعدوان على الأخرين والوقوف بحزم ضد من يفكر في الاعتداء على الآمنين وارواحهم وممتلكاتهم.