تداعيات الإنسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي
د. هايل ودعان الدعجة
12-05-2018 02:49 PM
يبدو ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب يعمد الى طرح نفسه واحدا من اكثر رؤساء الولايات المتحدة تنفيذا لوعوده الانتخابية ، حتى وان كان ذلك على حساب الانسحاب من الاتفاقات الدولية ونقضها ووضع المجتمع الدولي امام هذه المعضلة العالمية من خلال تحدي القرارات والمرجعيات والجهود الاممية ، وانعكاس ذلك سلبيا على صدقية بلاده وثقة المجتمع الدولي بها . كنقل السفارة الاميركية الى القدس ، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ، واتفاقية التجارة عبر الاطلسي ، وصولا للانسحاب من الاتفاق النووي الايراني ، والتهديد بانسحابات اخرى ، في توظيف على ما يبدو لنفوذ الولايات المتحدة وسيطرتها وتحكمها في المنظومة الدولية . وبما يشبه الرسائل الى كل من يهمه الامر في هذه المنظومة بقدرة اميركا على الذهاب بعيدا لفرض سطوتها وارادتها وتأكيد تفردها في النظام العالمي ، وان كان ذلك يتم تحت ذريعة مصالح اميركا . كحال الاتفاق النووي الذي وصفه الرئيس ترامب بالاسوأ على الاطلاق ووعد بتمزيقه ، كونه لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة وامنها القومي . إذ يرى انه يتيح المجال لايران بالاستمرار في تطوير انشطتها النووية وتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية وتخصيب اليورانيوم ودعم الجماعات الارهابية والتدخل في شؤون دول المنطقة الحليفة الداخلية ، وزعزعة امنها واستقرارها ، وتنفيذ مشروعها البري التوسعي من حدودها الى لبنان والبحر المتوسط ، لتعزيز نفوذها الاقليمي ، وتهديد امن الكيان الاسرائيلي .
ان انسحاب اميركا من الاتفاق يجعله في حكم المنتهي ، كونها تتحكم بما نسبته ٩٠% من العقوبات على ايران ، وبالنظام المالي والاقتصادي العالمي ، الذي تستطيع من خلاله فرض عقوبات تجعل جميع الاطراف غير المتعاونة معها تخشى تداعياتها السلبية عليها ، خاصة الاطراف الاوروبية وحتى روسيا والصين ، التي ستتضرر مصالحها وتعاملاتها التجارية والاقتصادية وامتيازاتها الاستثمارية ، التي اتاحها الاتفاق كثيرا . ما يجعل هذه الاطراف امام خيار التعامل مع الولايات المتحدة او ايران ، وبالتالي المجازفة والمخاطرة بمصالحها الاقتصادية مع اميركا في مقابل الحفاظ على مصالحها مع ايران ، خاصة ان حجم التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة يتجاوز ١٠٠٠ مليار دولار ، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه حجم التبادل بينها وبين ايران ١٥ مليار دولار .حيث هددت الولايات المتحدة بان العقوبات ستشمل ايران والدول المتعاونة معها ، والشركات الاجنبية التي تعقد صفقات تجارية واستثمارية مع ايران ، وامهلت هذه الدول ستة اشهر . وان كان التزام دول اوروبا بالاتفاق يخدم مصلحة اميركا بعد انسحابها منه ، (بما يشبه تبادل او توزيع الادوار بينهما) ، كون هذا الالتزام سيحرج ايران ويدفع بها باتجاه الالتزام به ، حتى لا تخسر الطرف الاوروبي . ما يبقي على الغاية من الاتفاق قائمة ، والمتمثلة بمنع ايران من تطوير قدراتها وامكاناتها الفنية ، بما يضمن امتلاكها السلاح النووي ، اضافة الى منع انهيار نظام المراقبة والتفتيش الذي تقوم به وكالة الطاقة الذرية العالمية على المنشآت النووية الايرانية ، مع إبقاء الفرصة امام ايران لاعادة حساباتها بطريقة تقودها الى الموافقة على تعديل الاتفاق وفقا للمطالب الاميركية ، اذا ما ارادت الاستمرار في الاندماج في الاقتصاد العالمي . والا فانها ستواجه مشكلات كبيرة في قطاعات مالية واقتصادية كثيرة ، كالبنوك والنفط والغاز والطائرات والسيارات والنقل والموانئ وغيرها . ولكن ذلك يتوقف على موقف دول اوروبا من الاتفاق ، وما اذا كانت ستلتزم به ام ستمتثل للقرار الاميركي في الانسحاب منه ، واستئناف العقوبات على ايران ، التي يتوقف عليها الامر ايضا من خلال مدى قناعتها بقدرة اوروبا على انقاذ الاتفاق بعد الانسحاب الاميركي . خاصة ان علي خامنئي المرشد الاعلى لجمهورية ايران لا يثق بالدول الاوروبية في هذا المجال ، وان حسن روحاني الرئيس الايراني يرى بان امام دول اوروبا فرصة محدودة للحفاظ على الاتفاق ، في حين يرى الجنرال حسين سلامي نائب القائد العام للحرس الثوري الايراني ، بان اوروبا عاجزة عن انقاذ الاتفاق ولا تستطيع التحرك باستقلالية بشأنه .
دون ان نغفل الاشارة الى تداعيات اخرى قد تترتب على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق ، اضافة الى اتساع الفجوة بين اميركا ودول اوروبا وروسيا والصين ومجلس الامن والامم المتحدة ، التي اقرت جميعها بالتزام ايران بالاتفاق ، فهناك احتمال زعزعة امن المنطقة واستقرارها ، وانفجار الاوضاع فيها، وزيادة وتيرة سباق التسلح النووي في الاقليم ، مع احتمالية نشوب حرب اقليمية بين ايران واسرائيل تحديدا .