المؤسسات الرقابية والحلقة المفقودة .. !!
د.طلال طلب الشرفات
11-05-2018 05:44 PM
الفساد ليس واقعة يتم اجتثاثها بأجراء او مجموعة اجراءات محددة بل هو جريمة منظمة احياناً وعفن اداري وسياسي وتشريعي احياناً اخرى يحتاج الى روح وطنية متقدة وايمان حقيقي بحرمة المال العام وقدسية الثقة العامة ، ويخطئ من يظن ان القائمين على مكافحة الفساد وسيادة القانون يدركون ان الجهود الوطنية في هذا المضمار بدائية في مضامينها ونتائجها سواء أكان الامر بقصد او بدون قصد .
هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لا تستطيع بمفردها ان تسهم في تجفيف منابع الفساد ؛ فالقانون الذي بين يدي مجلسها قانون مهترئ يستند الى اطر عامة في الصلاحيات والمهام سرعان ما تصادر تلك الصلاحيات او بعضها في نصوصه ، فقد تم تقليم اظافر الهيئة من ادوات المباغتة والحزم واستقلالية القرار الفعلي بعيداً عن الانكار الذي لا يستقيم مع مصلحة الوطن، وشهدنا قبل اشهر مجزرة مؤلمة في التوظيف السياسي للنصوص التي كانت تضمن استقلال مجلس الهيئة وعدم جواز اقالة المجلس او اي عضو منه ، الامر الذي يتطلب مراجعة سريعة وحقيقية لنصوصه وفقاً للمعايير الدولية .
من اكبر اشكالات العمل الرقابي ان تعمد الهيئات والمؤسسات الرقابية الى مراقبة اعمال وقرارات الحكومة والقطاع الخاص وتتناسى ان تراقب ذاتها او العلاقة البينية بين تلك المؤسسات بدءاً من مجلس النواب وديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومروراً بهيئة الاوراق المالية والغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس وانتهاءاً بدائرة مراقبة الشركات وووحدة مكافحة غسيل الاموال وغيرها ، ومذكرات التفاهم التي توقع بينها او التنسيق اللحظي الذي يفتقد للمأسسة هو انكار لمتطلبات العمل الرقابي الصحيح .
قد لا يصدق البعض ان قلت ان حجم الفساد وهدر المال العام وقتل الثقة العامة الناجم عن عدم قيام المؤسسات الرقابية بواجبها او اهمالها او بسبب التنافس السلبي لتلك المؤسسات او ازدواجية العمل الرقابي والتحقيقي على حساب المصلحة الوطنية العليا يعادل اضعاف الفساد الناجم عن الادارة العامة وقراراتها ، ويعيد الى الأذهان حالة الأرباك الذي رافق عمل الادارة العامة منذ زمن طويل .
في العمل الرقابي الوطني ارباك لمضامين النزاهة والشفافية وارتباك في اداء الواجب وتوظيف النصوص المتاحة وانقياد لا مبرر له للقلق والتأثر من كل الظروف المحيطة وأنفلات للقدرة على ضبط الامور باستراتيجية واعية وحكيمة وممكنة وعملية وناجزة ، والعمل الرقابي في الاردن ولكافة المؤسسات ينحصر – للأسف - في تسيير الأعمال وكسب والوقت وانتظار لشكوى هنا او تحويل ملف هناك ، والاعتماد على التصريحات الاعلامية والامنيات التي لا تفضي الى شيء .
قوى الشد العكسي وبعض مراكز النفوذ ما زالت تقاوم الارادة السياسية التي وردت في الاوراق النقاشية من خلال ادواتهم في المؤسسات الرقابية والبرلمان واماكن اخرى ، وامانة المسؤولية تقتضي منا ان نعلن وبكل امانة ان ما يجري من جهود وطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد هي ما زالت في اطار المراهقة الرقابية التي لم تفض الى شيء .