نحو تعزيز القراءة والكتابة باللغة العربية .. أزمات ورؤى
11-05-2018 10:01 AM
عمون - تواجه اللغة العربية تحديات جمة في عصرنا المتسارع اليوم، وينادي مختصون بضرورة مناقشة تعزيز القراءة والكتابة بها، وضع خطط وبرامج لدعم لغة جميلة عريقة يكاد نساها الكثير من أبنائها.
ويتحدث أستاذ الأدب والنقد في جامعة السويس والكاتب والناقد الأكاديمي المصري علاء الجابري، لـ 24 حول هذه المسألة، فيقول: "مسألة تعزيز القراءة والكتابة العربية تعد مشروعاً ثقافياً ضخماً، وغاية ما نطمح له في البدء صياغة مجموعة من الأسئلة والتصورات، فالموقف كلية ملتبس جداً في مشروع القراءة والكتابة وبرأيي أن مجرد تحقيقه كفكرة محضة غير كافِ، فمثلاً لو اتشرت القراءة والكتابة في السخافات وما هو غير مفيد ولا يبنى عليه، فذلك ليس دليلاً على أي شيء يستحق الذكر، بل نوعية الانتشار هي المهمة، فعكس ذلك لا يدل على التطور أو التقدم أو ثقافة".
اشتباك.. جدارة
ويؤكد الجابري أن المسؤولية تكمن في تحديد نقاط مهمة في المسألة سابقة الذكر، أولها علاقة القراء بالصورة وخصوصية اللغة العربية، ومواجه القراءة للثقافة العلمية أو ما يعتد أنه صراع ين الإنسانيات والعلوم، ويضيف الجابري: "هناك دائماً اشتباك، بين وسائل التعبير المختلفة سواء كان ذلك في الحرف أو الخط أو الصورة، وفي العصر الحالي هناك اقتراب بين قواعد الصورة والرأسمالية وسطوة العصر، فما حدث ويحدث هو محاولة للبحث عن وجود أصلاً، محاولة إثبات الجدارة والقيمة والأهمية، وليس التشابك مع الصورة، لأن هذه الأخيرة استطاعت أن تحتوي القراءة وتجعلها في خدمتها لا العكس، القراءة في خصوصيتها نتيجة مهارة ومعايشة، من ثم تتحول إلى سلوك، لكن الصورة استقبالها رحب رغم دوامها الأقل من القراءة وطبعاً هنا نقصد القراءة التي تشكل الوعي وتطمح للتفكير المطلق وتتجاوز الحد النمطي".
ضعف لغوي
ومن جهته يقول الكاتب والناقد المصري إيهاب الملاح: "تعزيز القراءة والكتابة باللغة العربية موضوع مطروح في كثير من الأوقات، خاصة في السنوات الأخيرة مع بداية ظهور وتنامي اتجاه الاهتمام باللغة العربية بين اعتبارها لغة قومية أو لغة الثقافة، إنما باعتبارها مكوناً أساسياً لوجود كامل وعنصر ثابت في العالم، وضرورة أن تكون هذه اللغة التي يتواصل بها ويتعامل من خلالها عدد ضخم من البشر، ما يقرب خمس العالم، ومن الملح أن نتساءل كيف يمكن حقاً تعزيز القراءة والكتابة باللغة العربية في ظل ضعف لغوي عام، نشهده بصور كثيرة منذ أول اللافتات التي تجابهنا في تعاملاتنا اليومية التي تعلن محتواها بلغة غير عربية أو عربية ركيكة".
آلية التقديم
ويقول الملاح: "القراءة فعل معرفي هام، لكن علينا أن نجيب حول التساؤل عما إذا يمكن أن تتم في الفراغ لا كفكرة كلية، دون حد أدنى من سلامة هذه اللغة، هل يمكن امتلاك المعرفة دون سلامة هذه اللغة قراءة وكتاب وفهماً وإفهاماً؟".
ويستكمل: "المسألة حول اتقان وامتلاك اللغة مدخلها القراءة أقرب للسهل الممتنع، فالأزمة ليست في الوقت مثلاً، أو توافر المواد، بل في آلية التقديم في العالم العربي، نحن بحاجة حقيقية لإيجاد آليات مناسبة لهذا العصر، حتى نمتلك الوعي للقيام بالقراءة بشكل منتج".
قفز حاجز
ويقول الجابري: "مقابلة القراءة بالعربية بالثقافة العلمية بدورها أزمة، ترقى إلى إشكالية حقيقة، وأنا بعد أكثر من ربع قرن من تدريس اللغة العربية، تشكل لدي يقين صادم ربما، وهو أننا يجب أن نتعال مع اللغة العربية على أنها لغة ثانية، فنحن واقعين في ازدواجية لغوية كبيرة جداً، بين ما نقرأه وما نتعامل به في الحياة اليومية، فأصبح الجهل الكبير في الحياة العامية وفعل القراءة حاجز لا يريد الناس القفز عليه".
ويضيف: "اللغة العربية تحكل إشكاليات داخلية وخصوصية، وبالنظر للتدرج فيها نجد أن هناك صعوبة تواصل بين الفروقات مما جعل اللغة العربية تبتعد عن كونها وسيلة لتقريب القراءة بل تثقل القراءة إلى حد ما".
مستويات الفصحى
ويختلف الملاح مع الطرح سابق الذكر، فيقول: "التعامل مع فكرة الازدواجية اللغوية على أنها أزمة لا يبدو دقيقاً، فذلك أمر موجود في كل الأمم، فما يتحدث به الإنجليز والفرنسيون مثلاً في حياتهم اليومية غير الذي يوجد في الأدب والكتب عموماً، والراحل المفكر د. سعيد بدوي، فصل القول في هذه المسألة في كتابه "مستويات الفصحى العربية المعاصرة"، وحل الإشكال بأنه لا تناقض في المسألة بل من الطبيعي جداً تدرج الأمم وتباين اللغة فيها، وهو أمر مرتبط بنشأت اللغات نفسها في المجتمعات، فهناك لهجات متفرعة عنها في التواصل العام، والمسألة ليست تناقضاً بقدر ما تكون خيارات وقدرات ووعياً وثقافة، وطريقة تعبير وحياة".
التقنيات.. حرية التفكير
ولكن في حال وضعنا تصوراً معاكساً قيد الاعتبار، فلابد من حل لهذه المسألة، فيقول الجابري: "قد يكون الاكتفاء بالمستوى التواصلي في التعامل باللغة العربية لا على المستوى المعياري، وفض الإشكالات المتعلقة بعشق مظهر اللغة أكثر من ما تحمل به القارئ على التقدم".
ويضيف: "ما أن التقنيات الحديثة قد تسهم في حل الكثير من المعوقات في تعزيز القراءة والكتابة باللغة العربية، فالنقاط السمعية لدى الطفل مثلاً بينما يشاهد الكرتون أو يسمع الأغنيات، لها أكبر الأثر من المرات التي يقرأ أو يتحدث به، ثم هناك مسألة القبول بالاختيارات المراهقة أو الشابة التي تبدو لنا بفنيات أقل أو لغة بسيطة، فهي تؤسس للأكبر والأعمق مستقبلاً، وكذلك استغلال وسائل التواصل، والتخلص من كارثة عدم احترام خصوصية الجال، فموثوقية التاريخ مثلاً الذي نتعامل معه كأنه وحي يوحى لا مادة وحدث وقصة، مسألة يجب تخطيها، ومثل ذلك حرية التفكير".
أغاني.. أفلام.. مسرحيات
ويقول الملاح: "يجب التركيز على فكرة ما يمكن استخدامه لتعلم وتعزيز اللغة العربي وصولاً للهدف الذي نريده من خلال التعامل مع التدرج وتقنية السماع، واستغلال الجان البصري، والتركيز على التخفيف من الحشو في تعليم اللغة العربية والانتقال للممتع الرفع الباقي الخالد من الأدب والفكر".
ويضيف الجابري: "نحتاج لتغيير كامل في المناهج، ومسرحة وأفلمة النصوص وتحويلها لأغنيات، والتعامل مع اللغة العربية بمرونة في مختلف المراحل العمرية، والتعامل مع المناهج باستخدام الألعاب والتقنيات التي تكون العربية حاضرة فيها".