ستظل صرخات "يزن" واستغاثاته تطاردنا مدى الدهر إن لم نسارع إلى الانتصار لقضيته بأن نحولها إلى قضية رأي عام يناهض العنف ضد الطفولة ويضع حدا للأذى السادي الذي يتعرض له أكبادنا الذين من المفترض أن نحفظهم برموش العين.
بعد محمد الهويمل الذي فقد عينه بعصا أستاذه، وقبل المآسي التي سبقت هذا الحادث وبعده، كان الأطفال وقود معركة يخوضها ضدهم أناس عديمو الضمير أو مريضو الأنفس أو منفصمو الشخصيات، فينفثون في أجسادهم الغضة ما تراكم في دواخلهم المنحرفة من عقد وترسبات وانهيارات أخلاقية وقيمية.
وحتى لا تظل لعنة "يزن" تلاحقنا، يتعين أن نطالب بمتابعة ملف القضية بشكل حثيث وشفاف، وهذا خطاب موجه إلى مدير الأمن العام الذي لا نعتقد أنّ من مدعاة سروره أن يكون مشتبهٌ به في مثل هذه الجريمة قد خرج بالكفالة، ونعني به زوج خالة الطفل "يزن" الذي أودعه أهله، بعد دخولهم السجن، عنده برفقة أخيه الذي يكبره بعامين.
شقيق "يزن" اعترف بأن زوج خالته كان يعتدي على أخيه بالضرب والاعتداء. وتقرير الطب الشرعي يكشف أن جسد "يزن" حُرق بالسكين اللاهبة الذي حوّلت اللحم الطري للفتى البريء إلى حفلة شواء كان المعتدي (لا نعرف من هو بالتحديد) يتلذذ بها، وفي أثنائها كان يطفئ أعقاب سجائره في ظهر الفتى وفي أنحاء مختلفة من جسده النحيل.
هذا ليس وصفا لمشهد من فيلم رعب تجري وقائعه في أدغال افريقيا، بل على مقربة من قلب العاصمة، وتحديدا في جبل القصور شرقيّ عمّان، حيث نُقل الفتى من هناك إلى مستشفى البشير ليلفظ أنفاسه الكسيرة وصمته المليء بالبوح.
وإذا كنا لا نروم التدخل في مجريات التحقيق في كيفية مقتل "يزن" بعد دخوله في غيبوبة نتيجه نزف دموي في الدماغ، وإذا كنا لا نحوز دلائل أو وقائع تثبت الفاعل الحقيقي الذي مارس هذياناته البغيضة ضد الفتى المسكين الذي نشأ في عائلة مفككة اجتماعيا وتلاحقها قضايا أخلاقية، إلا أننا نريد أن نتحقق من عدة أمور:
أولا: كيف يجوز الإفراج عن مشتبه به في قضية قتل، ما دامت القضية منظورة أمام القضاء، وما دام الفتى "يزن" في حالة غيبوبة، وما دام شقيقه يعترف بأن زوج خالته كان يعذبه وشقيقه وينهال عليهما بالضرب والإيذاء. إذن كيف يخرج زوج الخالة بالكفالة في هذه الحالة؟
ثانيا: بعد أن زُجَّ بوالد الفتى "يزن" ووالدته وزوجة والده في السجن، بعد اتهامات، تقول مصادر الأمن إن لها صلة بمسلكيات أخلاقية، كيف تتغافل إدارة حماية الأسرة التابعة للأمن العام عن طفلين شقيقين ما يزالان غير قادرين على اختيار المكان الأمثل لعيشهما. فهل تأكدت إدارة حماية الأسرة من صلاحية المكان الذي أودع فيه الطفلان، وهل كانت تقوم بزيارة للتحقيق في كيفية تعامل خالة الطفلين وزوجها معهما؟
ثالثا: التحقيقات تشير إلى أن حروقا وكدمات وضربات قديمة كانت متبدية على جسد الطفل "يزن" قبل أن يزج بعائلته في السجن. ألم يكن هذا الأمر مدعاة لدى إدارة حماية الأسرة لكي تضع "يزن" وشقيقه في أحد مراكز الإيواء التابعة لها، وتخليصهما من الشرور التي تعرضا لها فأودت بحياة "يزن" وأورثت شقيقه جروحا نفسية من الصعب أن تلتئم؟
قضية "يزن" تدق الجرس، وتحذرنا من أن أنظمتنا القيمية في مهب العاصفة إن بقينا نغمض عيوننا على هذه الكوارث التي تضرب العصب الحي للمستقبل، وأعني به الطفولة.
وعلى الأمن العام أن يجيب عن الأسئلة الكثيرة المتصلة بمقتل الطفل "يزن" وأن يميط اللثام عن أسرار غامضة جعلت طفلا في الخامسة من عمره يتجرع عذابات طويلة تنوء عن تحملها الجبال الراسيات.
صرخات "يزن" تطاردنا
لحمه الطري الذي كان منفضة سجائر يطاردنا
الاستغاثات المخنوقة التي لم يسمعها، أو لم يهتم بها أحد تطاردنا
إذن، تعالوا لا نبقى مستلبي الإرادة
وهيا نطارد القتلة، ونحاسب المسؤولين، ونحمي البراءة من انتهاكات جديدة.
m.barhouma@alghad.jo
** الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الغد ..