لأنني لا أزال من الحالمين الورديين الذين يتمنون سقوطاً سريعاً مدوياً لحرف الراء اللعين من كلمة الحرب. أتمنى أن أعود صاعدا إلى لعبة الشطرنج، وعالمها العاقل الرزين، لا لأبيّت أفكاري خلف مطامع توسعية بعمق الخصم وجيشه.
سأعود إلى الشطرنج؛ لأشير ببساطة إلى أنها لعبة جاءت، كما يقال، بعد أن أتخمت البشرية بالحروب وأهوالها ودمارها، وقد اخترعها واحد من حكماء الهند؛ لتكون بديلاً منطقياً عن معارك السيوف والحراب والمناجيق والنيران، والفائز على رقعة الشطرنج، يأخذ ما يريد بسلام، وله ما يشتهي بكل احترام.
بعيداً عن حلم يقظتي المجنون هذا، وبعيداً أكثر عن صوت المدافع وراجمات الصواريخ وعن حمحمت حروب أخرى تلوح في الأفق، فقد سرني أن أترنم على صور طرية جاءت من (حرب الوسائد)، التي اشتعلت قبل أشهر من 40 مدينة حول العالم، بمناسبة اليوم العالمي لحرب الوسائد، فتعارك آلاف المشاركين بوسائدهم المحشوة ريشاً لساعات، قبل أن تخور قواهم نياماً على أرصفة الطرقات: أجمل وأنظف حرب.
جدتي كانت تقول: الوسادة حنونة، ليس لأنك لن تشعر بألم ضربة تتلقاها بوسادة قذفها وراءك أخوك الغاضب مثلاً، فوسائدنا كانت تُحشى بالقطن الثقيل الملبود، وليس بالريش. ولهذا فضربة أرض أرض بوسادة، لربما تسبب لك ارتجاجاً بالأحلام. ولكن الوسادة حنونة، لأنها تبقيك ملتصقاً بها كحضن أم، سيما إن دخلت لجة حلم شهي قبل الصحو بقليل.
اخترعت ذات سكن جامعي (نومة السنادويتش)، فكنت أحشر رأسي كحبة نقانق مقلية بين وسادتين ثقيلتين ثخينتين، كي أتقي أصوات المدينة، وثرثرات رفقاء البيت. وكلما كنت أعود من نومي محملاً بأحلام فارهة حنونة، كنت أترحم على جدتي وعبارتها الخالدة.
عالم اليوم لا يأبه بأحلام أحد أبداً، ولا بوسائد الريش المتطايرة ببراءة وطفولة، في معارك خفيفة الظل، بل عالم اليوم المجنون يتوسد بركاناً ثائراً كنمر جائع، ويقف على زلزال متربص فوق هاوية، ولهذا أكاد أجفل من بعض نومي، على كابوس حرب عالمية تالفة متلفة، قد تثور بكبس زر من أحمق ما.
لا رجاء يلوح في أفق الإنسانية بأن تسقط حرف الراء من حربها، فالعالم مزنر بالحروب وطبولها شرقاً وغرباً وشمالا وجنوبا، والظاهر أن عالمنا لن يرضخ للعبة الشطرنج ومنطقها منزوع الدم، كي تكون بديلا إستراتيجياً عن الصواريخ النووية والصواريخ والدبابات وغازات السارين. ولن يقبل هذا العالم الغبي أن تسوده حرب البندورة، أو حرب البرتقال، أو حرب الركلات، ولا حتى حرب وسائد ريش خفيفة المحمل.
ياااااه كم أنا حزين على كرة أرضية تتوسد حلماً أحمر أو بركاناً أغبر.
الدستور