كنت فيما مضى قد اشرت الى انماط التدين، وتوقفت امام التدين المغشوش وربما يكون “مختبر الصيام “ شاهدا على هذا النمط الذي يعيشه بعضنا ويمارسه، حيث تتقدم الشكليات والطقوس على المقاصد والمضامين، وحيث تقدس الهيئات بدل ان تقدس الغايات، وحيث نكثر من التمجيد والمدح فيما الحقيقة ان نفوسنا في واد اخر.
وما دام اننا نبرع في ابتداع المصطلحات، فان الحال يذكرنا بنوع جديد من الاسلام، الذي نمارسه، وهو الاسلام السياحي (اليس لدينا اسلام سياسي واخر اجتماعي كما يحلو للبعض ان يصنفه؟ )، فالمسلم - مثلا - حين يصوم او حين يصلي او حين يمارس عباداته، يمارسها بمنطق السائح ونظرته، السائح يزور معلما اثريا فيقف مندهشا امام جماله، وسعيدا من شكله ومظهره، وربما يتوقف امامه لحظات او ساعات، وقد يأخذ - للذكرى - صورا ما، لكنه سرعان ما يمضي الى موقع اخر، دون ان يترك المعلم السياحي الذي اعجبه اي تأثير عميق في تفكيره، او دون ان يشعر بانه جزء منه، ينتمي اليه او يعيش معه، فالاعجاز - هنا - لا يتحول الى زواج، ولا يفضي الاّ الى سعادة مؤقتة، ان كانت ثمة سعادة.
وحال صاحبنا السائح لا يختلف عن حال بعض الذين يعجبون بالصيام ويرون فيه موسما للتغيير او حتى للتسويق والتجارة، او شهرا للسهر ومتابعة المسلسلات، اعجابهم هذا يظل مجرد اعجاب، لا يتحول الى زواج حقيقي مع مقاصده، ولا يتجاوز التدين بالجوع والمشقة - ان حصلا - فيما المقصود بالصيام شيء اخر يتعلق بالتقوى والتفكر والرشد، كما نصت على ذلك نهايات الآيات الخمس التي وردت في القرآن الكريم في معرض الحديث عن الصيام.
رمضان، في الاصل، شهر للعبادة، والتقوى، والتوبة، وايقاظ الضمائر النائمة، وتنشيط دورة الايمان، واحياء قيم الخير في نفوس الناس، وهو مدرسة للثورة على البطن وتحرير النفس من الشهوة وردم الفجوة بين الفقراء والاغنياء، وتدريب على الصبر، ويمكننا ان نضع باروميترا لقياس هذه الثمرات والمقاصد، وان نضع لأنفسنا ولأمتنا ايضا، ما تستأهله من علامات لاجتياز امتحان،يا ليتنا نفعل ونكتشف النتيجة.
باختصار، الصيام السياحي، والآخر التجاري او الدرامي.. صيام دخيل يعكس تديننا المغشوش، وعدم فهمنا لمقاصد رمضان.. ومقاصد الاسلام ايضا، ونحن مقبلون على شهر رمضان الفضيل ...
تقبل الله صيامكم،،
الدستور