لا نبالغ أذا ما كتبنا أن عمر العبداللات فنان عربي بكل معنى الكلمة ، فنان يعيش خارج جدران الابداع المحلي ، فنان له جمهور عربي من الماء الى الماء . غنى بالفصحى
و العامية والبدوي
والنبطي الشعبي و الشعر الموزون . واعطى لكل صنف من الغناء حقه .
عمر العبداللات سيرة فنية تختصر هوية الاغنية الاردنية ، والمهم في سيرة الفنان العبداللات ما يذكره عن رحلته الصعبة و القاسية في الوصول الى النجومية ، فهو من عائلة سلطية - اردنية بسيطة و متواضعة ، كحال الاجتماعي للعوائل الاردنية .
رافع هوية "الاغنية الاردنية " يروي دائما فصول من حكاية الكد و المعاناة التي بدأ بها رحلته الفنية من
عمان الى القاهرة ومهرجانات العرب ، و كيف شق طريقه مع المنتج محمد المجالي " ابو شاكر " بأول رحلة الى القاهرة ، وغامرا بخوضها بامكانات مالية ومحدودة ، وكانت معبرا لنجومية أبدية ، ولتأخذ اليوم مكانها في ذاكرة وطنية و عربية خالدة .
مدرسة العبداللات الغنائية ليست حكرا اليوم على الاردن . ومن هنا لربما ثمة ضرورة للاعتراف بان الفنان العبداللات أبعد بان يحصر بلون محلي ، برع في كل ألوان : أردني ومشرقي وبدوي ،نبطي ، غنى بكل ألوان وبرع بها ، وبأحيان كثيرة جدد بها .
حمل الفلوكور الاردني بعقبرية فنية الى قلب الاغنية الحديثة ، وأعطاها نكهة فنية خاصة ، و بقوة
وعذوبة صوته ورهافة الشعر و قولبة الموسيقى . تلك ملامح مدرسة غنائية في قلب الاغنية العربية المعاصرة ، و يقارن بمطربين عرب بلغوا ذرورة الشهرة عربيا كمحمد عبدة وطلال مداح
و ملحم بركات و كاظم الساهر وسعدون جابر .
عرف الفنان العبداللات كيف يتلقط مزاج الاردنيين ، أنتقل الى عواصم الفن العربي ليروج لبضاعة غنائية أردنية ، ولينقل للذائقة العربية الاغنية الاردنية ، فأكثر من أغنية اردنية عرفها العرب من حنجرة العبداللات ، ومنها "ياسعد " و" يحكى أن " المهداة للجيش المصري العظيم .
أيام الدراسة الجامعية اذكر أن المغاربة العاديون و البسطاء لا يعرفون عن الاردن غير عمر العبداللات و البترا ، وكانوا عندما يعرفون أنك اردني على السريع يقرنونها بالعبداللات و البترا . ويتوقون الى ترديد وسماع اغنية" يا سعد " على سلاسة و انسياب و وفساحة و عفوية : الكلمة و اللحن .
فنان عرف كيف تستوطن محبته في وجد جمهوره ؟ يترك بصمات في لحظات الفرح و الأسى و الغضب و النشوة و الاحلام غير المكتملة ، بصمة نعيشها يوميا ، وتعشعش في لحظات معنية في زمن الوجد النفسي الهارب يوميا من تعاسات ومعاناة عامة تغرق تفاصيل عيشنا .
هذا قول ينطبق على فنان صاغ وجدان شعبي وثقافة وطنية . عمر العبداللات على بساطته وعفويته و يشبهننا جميعا و يختزن حكاية الاردنيين المكابدين و البسطاء و العفويين . فنان بشخصية قوية و حساسة ، رحل بأغانيه ليكون نجما أردنيا عابرا لجدران الأبداع المحلي .
نستقبل الاعياد الوطنية بأغانيه ، ونتسقبل حبنا وعشقنا بأغانيه ، ونستقبل الشوق و التوق للأردن في الغربة بأغانيه ، وطن بأغنية و أغنية بوطن ، ولا أجمل من ثنائية تحتفل بالوطن بالغناء والفرح ، جاهدا ليبقى الوطن بأقوى و أزهى و أبهى الصور .