في اكثر من مناسبة سمعنا قادة سابقين للتيارين القومي واليساري في الاردن يقولون لمستمعيهم ( احمدوا ربكم اننا لم نحكمكم) . في قولهم هذا ابلغ اختصار لتجربتهم السياسية ، وبما ينطوي على اعتراف بخلاصة التجربة المرة التي نأى الاردن بنفسه عنها وكتب لبعض الدول الشقيقة بكل اسف ان تعيشها لتنتهي الى ما انتهت اليه من استبداد وفئوية ومحاصصة ، والوقوع في براثن الاستدراج والانقياد لمتاهات ما كان ينبغي ان تسقط فيها .
في خمسنيات القرن الماضي سعت تيارات سياسية في اكثر من محاوله للانقلاب على الحكم لالحاق الاردن بالتجربة السياسية البائسة النهايات التي تعيشها اليوم دول شقيقه . وسعت ذات التيارات مع منظمات حليفة في مطلع السبعينات لاعادة الكرة لكن وعي القيادة والولاء الوطني الفطري للاردنيين ووطنية بعض النخبة الرسمية جنبت الاردن الانجرار الى ما كان يدبر له . ولعل الامن والاستقرار الذي يعيشه الاردن اليوم دون غيره هو واحد من بين فضائل نأيه بنفسه عن الانقلابات وتسييس العسكر واغراء الشعارات الثوريه .
الاردن دولة وشعباً مدين لكل من جنبه مخاطر الانزلاق الى المجهول . ويقدر لكل من امتلك جرأة الاعتراف بتواضع نتائج تجربته السياسية من قيادات التيارين القومي واليساري . لكن ما علينا تذكره اليوم ان ذلك ليس كافياً لمسيرة الاردن التي استطاعت النجاة بالاردن مما كان يدبر له . فالظروف قد تبدلت ، والاخطار لم تعد غائبه . وما هو مطلوب اليوم من التيارات السياسية والاحزاب الوطنية ومؤسسة الحكم صار كبيراً وملحاً .
في الظرف الراهن مؤشرات الاداء الحزبي الوطني ليست مطمئنة ولا ترتقي الى مستوى المرحلة ومصالح الوطن العليا . التياران القومي واليساري لا يظهران الارادة المطلوبة لدعم الدولة المدنيه . كما لا يظهران قدرة على التوسع والحضور بين الجمهور . والتيار الاسلاموي السياسي يعيش حالة انقسام ويعزل نفسه في سعيه لمعاداة الدولة المدنية متعسفاً في اظهارها معادية للدين . واما الاحزاب الوطنية فان حضورها الشعبي لا يكاد يظهر، كما تزايدت اعدادها تزايداً لا يبرره مستوى وتماثل برامجها .
وعلى الصعيد الرسمي يتطلع الناس الى مؤسسة الحكم اليوم طلباً للمزيد من الالتفات الى حجم ونوع المتغيرات في ثقافة ووعي وتوجهات واحتياجات المجتمع . والى عمق التداخل ما بين السياسي والاقتصادي بما يملي الحاجة الى تدخلات جوهرية وعاجلة في مواجهة اوضاع داخلية تقف امام فكر تكفيري ، وحراك مجتمعي متنام ، ووسائل اتصال اجتماعي متطوره ، وتطلع جماهيري غير مسبوق للتغيير في الشأنين الداخليين السياسي والاقتصادي.
الدولة بدورها لم تباشر بعد مسؤولياتها في انتاج برنامج وطني لوضع الاوراق النقاشية لجلالة الملك موضع التنفيذ . وان كانت الحكومة ترى في ذلك ما هو اوسع من مسؤولياتها فلتأخذ دورها في ادارة مائدة حوار وطني لوضع خطة وطنية للتنفيذ . ولتأخذ بالحسبان عامل الوقت الذي صار ضرورياً في ضوء التحديات الآخذة بالتزايد .
العامان 2018 و2019 حاسمان لسلامة الوطن وضمان مستقبله بالافلات من الخناق الاقتصادي ، والنأي عن نيران الحروب ، والتنبه لصفقات السياسة التي تحاك بليل ، ما يستدعي تمتين الجبهه الداخلية بتطوير جدي على الصعيد السياسي ، وبذل كل جهد مخلص وممكن للصمود في وجه الازمة الاقتصادية وبخاصة آثارها الصعبة علة الفئات محدودة الدخل ، واظهار ارادة جادة في محاربة الفساد لاستنهاض همة المواطنين على الصمود .