احمد الدباس فـي ذمة الله وفـي ذاكرتنا
خالد محادين
19-04-2009 03:23 AM
لم يرفع يده مودعا، اذ حتى لحظة رحيله ظل حريصا على الا يحمل حزنا لزميل او صديق او قريب ومن يعش العمر كله شرفة جميلة تطل على وطن وعلى مدينتين ، وجدولا مسكونا باعذب ماء واصدق وفاء ووقارا رافقه من لحظة الولادة الى لحظة الرحيل، يصعب عليه ان ينتزع ابتسامة عن شفتين او فرحا من وجه ، قليلين كانوا مثله ، ولهذا يؤلمنا ان يمضي ، اذ ضاق النفق وما تبقى على جدرانه من الضوء والدفء والرحابة لا تجعل ثمة انتظارا لمجيء كثيرين او قليلين في خلقه وطهره وصدقه ومحبته لكل من حوله ولكل الاردنيين الذين عاش بينهم ورحل عنهم جرة مملؤة بالعطر والبخور.
عرفته منذ ثلاثين عاما ولم يأخذ منه الزمن الصعب الا قليلا وبقي كما عرفته اول مرة الطفل الهادئ الجميل الذي نحل جسمه ولم ينحل قلبه والختيار الاردني الذي حمل وطنه وشده الى صدره حتى بات صعبا ان نميز بين احمد الدباس الطاعن في الصدق والثري بالخلق والاستقامة والحيي الحيي الذي احب الناس ولم يكرهه احد منهم.
قرأت خبر رحيله على موقع خبرني فشعرت بغصة ليس في وسع سوى الصمت ان يبلغ عمقها قلت لنفسي ها طيب اخر يرحل، وها شجرة معمرة خضراء تغادر تراب الوطن الى تراب الوطن ولا اذكر انني التقيت به مرة الا وتمنيت لو اننا جميعا مثله لا نغضب لذبول حولنا ولا نيأس من ذبول داخلنا ونملك قدرة مناقضة لقدرته في جعل الصمت لغته الوحيدة القادرة على كتابة القصائد وانشاد المواويل وتحويل القتال المباح ضد الفساد والرشوة والمحسوبية وسرقة الفرص الى قتال يدور في داخله ويأكل من روحه وجسده.
لم يمت احمد الدباس كما مات وسيموت اخرون، لم يغب ولن يغيب عن قلوبنا لاننا كنا نحبه ونراه بهذه القلوب وليس بالعيون المحكومة ان ترى كل ما حولنا جميلا وبشعا ودافئا وباردا، اذا كان باختصار بركان محبة وغضبا ووطنية لم يتح العمر المتعب له ان يقتحم ما امامه وما حوله ليقذف بحممه الحارقة لكل الورق الجاف في حياتنا.
رحل ابو علي في هدوء، غادر سريره الاخير متوهما انه يغادر اسرة صدورنا هزمه المرض القاسي ومن يهزمه مرض لم يقترب من روحه بل استهدف جسده المتعب بطل حقيقي، يظل واقفا في ساحة القتال لا يطلب نصرا لنفسه ولا غنما لجيبه ، مكتفيا بتقديم النموذج الاردني للرجال الذين يحتاج اليهم الوطن كما احتاج اليهم دائما.
الفاتحة على روحه، والخاتمة الطيبة التي نشر عطرها حوله في حياته وسيظل ينشرها بعد رحيله لنظل على حبنا له ويظل على حبه لنا اخذا مكانه بين احبته واصدقائه وكل من عرفه عزيز النفس قنوعا يعطي ولا يأخذ ، ثريا كما بحر وكما محيط وكما سهل او جبل، ودافئا يمد جمره في صقيع حياتنا ويوزع ابتساماته الوقورة كأب لا يستطيع ان يغمض عينيه قبل ان يطبع على كل جبين قريب منه قبلاته الهادئة الوقورة الساحرة.
عليك يا ابا علي رحمة الله ولك جنات الله بعد جنات الاردن وعمان والسلط، ولا اظن انك ستغيب عن ذاكرة من عرفك واقترب منك الا اذا سقطت هذه الذاكرة ولروحك دعواتنا وصلواتنا.
kmahadin@hotmail.com
الراي