في مرحلة من مراحل حياتك ستلاحظ أن دائرة اللامبالاة لديك قد اتسعت على غير العادة، وأن أغلب الأشياء لم تكن جديرة بكل ذلك الاهتمام الذي تبذله، وأن الحرص على إرضاء الناس لم يعد من أولوياتك، وليس هناك من داعٍ لأن تكون لطيفاً أكثر من اللازم! وستكون كلمة “لا" على لسانك سهلة وستتخلص من محاولة اسعاد الآخرين لأن محاولات إرضاء الناس واسعادهم هي تضحية لراحة بالك ووقتك وعلى حساب صحتك في معظم الأوقات، وفيها من التنازلات الكثير!
الذين يرونك يقولون لك دوماً: أنتَ متشائم، يقولون ذلك لأنَّهم لا يعرفون كم مرّةً احترقتَ بمحرقةٍ حطبها وفاؤك للناس، وكم مرّةً سقطْتَ من علوٍّ شاهقٍ بسبب أوهامك وتوقعاتك .. وكم مرّةً اندفعتَ نحو سرابٍ على هيئة أحلام، فوجدت نفسك قد سقطتَ في غيابات الجُبْ، ولكنك لم تجد سيّارة يلتقفوا قلبك وينتشلوا روحك!
لا يعرفون بأنك كُنت تنسى نفسك في سبيل سعادتهم، وكُنت تحتمل ما لا يُحتمل متمسّكاً بتلابيب قداسة العلاقة، وتُعاني الأمرّين في الصراع ما بين عقلك وقلبك، تغفر الزلّات ولا تبتعد، تخيط الجراح قبل تنظيفها، تحمّلتَ مناخاتهم كلها يشتى ألوانها، تجرّعت حكاياتهم السمجة بكل تفاهاتها. ولعلك هنا كنتَ تركضُ في الطريق الخطأ الذي سيميتك وأنت على قيد الحياة! ومع ذلك فهموا عصبيّتك كأنها طبعاً، وحزنكَ كأنه نكَداً وعتابك افتعالٌ للأزمات والمشاكل وما كُنت تجني بعد هذا كُلّه إلاّ الاتهامات بالتقصير والإهمال.
ما أقسى أن تتخلى الأشياء عنك وأمام عينيك وأنت لا تمتلك شجاعة التخلي، لأنك كنت تصوغ الحبّ في قلمك حروفاً وتنثره ورداً في هواهم، عيناك كانت لا ترى في الأفق غيرهم وقلبك لا يعشق سواهم، فأنّى لك بشجاعة التخلي عن أولئك الذين يبادرون بالتخلي عنك دون أن يرف لهم جفن!
الأشياء تتخلى عنك تباعاً دون ان تلوّح لك بيدها، فقط لأنك تغيّرتَ عليهم، وتوقفت عن ممارسة حياتك حسب أهوائهم وبنفس طريقتهم! شعورٌ مؤلمٌ وقاسٍ على القلب سرعان ما يذوب فيه الكبرياء وتنحسر دونه الكرامة ويصبح البحثُ عن مهرب ضرورة ملحّة لمعانقة الوحدة والاستئناس بها! لم يفهموا يوماً أن كل شيء قابل للتغيير، وأن الله وحده الذي يسمع ضجيج روحك المتعبة ويرى كومة الملح التي على جرحك، فكلّ يومٍ هو في شأن... يكشف كرباً ويغفر ذنباً ويعطي رزقاً ويعافي مبتلىً ويرحم ضعفاً، ويجبر كسراً... ولكل الذين جرحوكَ في العمق قل لهم: ان الملائكة دوّنت أفعالهم!
جَهلتْ عيونُ الناسِ ما في داخلي، فوجدتُ ربي بالفؤادِ بصيرا، ربي معي فمَنْ الذي أخشى إذن، ما دام ربي يحسن ُ التدبيرا.