لا يخلو الخطاب السياسي الأردني من الإشارة إلى ثوابته التاريخية فيما يخص حلول القضية الفلسطينية، ذاك أن هذه القضية ظلّت قضية الدولة الأردنية الأولى على مر التاريخ، وشكّلت تداخلا سياسياً وشعبيا لكل الأردنيين، وكلّما غابت هذه القضية عن الاهتمام العالمي، أعادها جلالة الملك للواجهة من جديد في كل خطاب وكل زيارة وكل نقاش.
الجديد في الحديث عن القضية الفلسطينية، هو ما تنشره وسائل إعلام عن تفاصيل صفقة القرن نقلاً عن مصادر دبلوماسية. وليس هناك شكٌ أبدا بأن إعلان الصفقة المزعومة هو مسألة وقت فقط، ولربما تزامن ذلك مع احتفالات نقل السفارة أو تبعد قليلا...
لكن المهم في هذا الأمر، هو هذا التسارع في إنفاذ هذه الصفقة بأي ثمن، واندفاع البلدوزر ترمب نحو الوفاء بكل تفاصيل وعوده الانتخابية، بأي ثمن، ووضوح طريقته في فتح الملفات واغلاقها مرة واحدة؛ دون دبلوماسية أسلافه، والتسديد على الهدف مباشرة دون مواربة ولا تردد.
صفقة القرن على الأبواب، لا شك في ذلك أبدا...وبينما تُجهّز أوراقها وملفاتها، فمن الحصافة أن لا تتكرر كوميديا سايكس بيكو؛ حينما كان العرب بقيادة الشريف الحسين بن علي وأنجاله يقاتلون لبناء دولة عربية حدودها خط مرسين أضنة في الشمال وفي الجنوب عدن، في الوقت الذي كان فيه الفرنسي والإنجليزي سايكس – بيكو، يأتمرون على تركة الرجل المريض الدولة العثمانية.
لا أحد يريد إعادة إنتاج هذه التجربة البغيضة، وعلينا أن نكون يقظين لكل سهرات الغرف المغلقة، وننفصل عن الاخبار الضبابية وعن " القضايا ذات الأهتمام المشترك".
لكن المهم جدا هنا، ويجب منحه أولوية قصوى، هو فهم اللعبة جيدا، والدخول في تفاصيلها كلما كان ذلك ممكنا. وصفقة القرن لا تعني الأردن وحده، ولا تعني فلسطين وحدها، إنها مظلة واسعة تنسدل على كل الإقليم، وسيتسع تأثيرها على الجميع، فإمّا النهوض وتوحيد الكلمة العربية في مجابهتها، أو ترك الأردن وفلسطين، وحدهما يُصارعان ويقاتلان.
هل تم التخطيط للصفقة بإشغال العرب بربيعٍ بنكهة الخريف؟ هل كان هذا الربيع إقصاءاً ممنهجا لتهيئة المناخ المناسب لقبول الصفقة وفق انشغال الشعوب والانظمة بالحروب الداخلية؟
صفقة القرن ليست أردنية وهي ليست فلسطينية كذلك، إنها صفقة تقبل القسمة على كل الإقليم، وهذا ما يجب الإستعداد له، والأهم من ذلك، أن يقف العرب خلف جلالة الملك دعما وسندا وكلمة حق، فمن غيره يتحدث عن فلسطين، ومن غير الأردن دفع ثمنا باهظا نظير موقف ثابت ومشرّف من قضية العرب الأولى، وإذا أشغلت العرب حروبهم الأهلية عن القدس وعن فلسطين، فليس أقل من كلمة حق وموقف صدق، والتاريخ في كل الأحوال سيسجل كل البطولات وكل التخاذلات وكل المواقف.