مروان البرغوثي: كاريزما تفزع المحتل بحضورها الطاغي
18-04-2009 10:42 PM
.. في قرية كوبر مسقط رأس النائب الأسير مروان البرغوثي ثمة ما ينير الحاضر ويعيد انتاجه مشرقا. فكان على مروان أن يقرأ قدر إنسانه المأزوم بماكينة احتلال غير تقليدي, وكان عليه أن ينقب عن جذور خرابه في الحاضر العياني المتفجر بالقيد ومآلات الصراع المفتوحة ضده.
من ذلك وبسببه اتخذ البرغوثي مبتدأ لتفجير الواقع من داخله متكئاً على طاقة روحية كامنة لا يعرف الاسرائيلي مدياتها غير المحدودة في الانتفاض على نصه الوحشي.
في الصباحات المثقلة باكراه الغزاة كان البرغوثي يرى لقاء تتجدد مأساويته بين احتلال يقوم على النفي المطلق، وفلسطين الذبيحة بالتواطؤ والزيف، فينكشف الاسرائيلي قاتلا حديثا، بينما تتمظهر كوبر قرية مؤنسنة تجمع قسرا مع احتلال كاجتماع الفرح والكآبة.
كوبر البرغوثي كانت وما تزال نصا نموذجيا محتشدا بالتوتر الواعي بزيف التراتيل الرسمية، صانعة الهزيمة ومشتقاتها من الوحل، فآثرت البقاء سجينة مفاهيم وسياسات تقمع جنودها وتنهزم في المعارك.
لم يقع البرغوثي في فتنة القيادة التي انقادت له طائعة، لان فلسطين تتمسرح لديه فضاء لا متناهيا من الحب الحارق وشوك النوم في أقبية المعتقلات، فترسم شخصية أمين السر على مقاساتها القيمية.
يشتبك في شخصية البرغوثي مستويان أسطوري وواقعي تشكلا في المناخات الضاغطة للصراع اللحظي مع الاحتلال، ما أنتج شخصية لا تعرف المهادنة، صارمة وجريئة، وذات مقدرة على اسباغ الاهمية على الموضوع الذي يتبناه.
أجاد أحابيل التنظيم ودهاليز الحزبية التي غرف من معينها مبكرا، حتى بات "الدينامو" لحركة فتح وملهما للنضال الوطني الفلسطيني، فكان أسر الاحتلال وسجنه مدى الحياة بالمرصاد بتهمة المقاومة التي يعشق.
انضم البرغوثي الى حركة فتح في سن الخامسة عشرة، وببلوغه الثامنة عشر في العام 1976، القى جيش الاحتلال القبض عليه وزج في المعتقل حيث تعلم اللغة العبرية وحصل على الثانوية العامة، فضلا عن تطوير ثقافته ومعرفته في اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
بعد اطلاقه تراس البرغوثي مجلس طلبة جامعة بير زيت ذات التقاليد العريقة في مقارعة المحتل. تخرج يحمل بكالوريوس التاريخ والعلوم السياسية ومن ثم ماجستير العلاقات الدولية.
والبرغوثي يعد أحد مهندسي الانتفاضة الاولى في العام 1987 فقبض عليه ورُحِل إلى الأردن حيث أمضى 7 سنوات ثم عاد إلى الضفة الغربية في العام 1994 بموجب اتفاق اوسلو، وفي عام 1996 شغل مقعدا في المجلس التشريعي الفلسطيني.
فيه قال خبير الاجرام ارئيل شارون: يؤسفني إلقاء القبض عليه حياً، كنت أفضل أن يكون رماداً في جرة.
في العام 1983 تولى البرغوثي رئاسة مجلس طلبة جامعة بيرزيت ثلاث دورات متعاقبة، وانشغل في تأسيس منظمة الشبيبة الفتحاوية، التي اعتبرت أهم وأوسع منظمة جماهيرية في الأراضي المحتلة، حيث شكلت القاعدة الشعبية الأكثر تنظيماً وقوة، ولعبت دوراً رئيسياً في انتفاضة 1987.
انكب البرغوثي المطارد اسرائيليا وأسير الإقامة الجبرية ومن ثم الحبس الإداري على وضع لوائح منظمة الشبيبة، بما في ذلك لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي، ذات الحضور الواسع في المدن والقرى والمخيمات، والجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية.
في العام 1986 أُطلق البرغوثي وأٌبعد خارج وطنه بقرار وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك اسحق رابين في إطار سياسة الإبعاد التي طاولت قادة في الأراضي المحتلة، فانضم إلى الشهيد أبوجهاد الذي كلّفه مسؤولية التنظيم في الأراضي المحتلة، كما رافق أبو جهاد في آخر زيارة إلى ليبيا قبل ان يستشهد بأيام.
وفي العام 1989 انتخب المؤتمر العام الخامس لحركة فتح مروان البرغوثي عضوا في المجلس الثوري للحركة من بين 50 عضوا، اذ انتخبه مباشرة ذلك المؤتمرالذي شارك فيه 1250 عضواً. كان ألبرغوثي آنذاك القيادي المنتخب الأصغر سنا في تاريخ الحركة.
في نيسان(أبريل) 1994 عاد البرغوثي مع مجموعة من المبعدين إلى الأراضي المحتلة، وفي أول اجتماع لقيادة فتح في الضفة الغربية برئاسة الراحل فيصل الحسيني انتخب البرغوثي بالإجماع نائبا للحسيني وأمين سر للحركة في الضفة الغربية، ليبدأ مرحلة جديدة من العمل التنظيمي، فبادر بإعادة تنظيم حركة فتح بعدما تعرضت لضربات شديدة على يدي جيش الاحتلال، ونجح في إعادة تنظيم الحركة خلال شهر بالرغم من المعارضة الشديدة التي ابدتها اللجنة المركزية، لتنطلق بعدها المؤتمرات الفرعية للحركة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تسنى للبرغوثي عقد أكثر من 150 مؤتمراً انخرط فيها آلاف الأعضاء.
كان البرغوثي يؤكد أن هذه المؤتمرات يجب أن تكون مقدمة لعقد المؤتمر العام السادس للحركة الذي كان يرى فيه ضرورة تعزيز وتكريس الديمقراطية في الحركة.
في العام 1996 انتخب الرغوثي عضوا في المجلس التشريعي عن دائرة رام الله، وعمل في اللجنتين القانونية
والسياسية، ما فسّر اهتمامه بسيادة القانون وتعزيز القضاء واستقلاليته، فضلا عن إقرار رزمة من القوانين الديمقراطية. كان البرغوثي نائبا ملتزما قضايا الناس، وعضوا بارزا في لجنة التحقيق البرلماني في الفساد.
كما عمل البرغوثي محاضرا في جامعة القدس في أبو ديس، وهو متزوج من المحامية فدوى البرغوثي التي برزت سياسيا وإعلاميا بعد أسر إسرائيل لزوجها، الذي تمكنت بجدارة من الدفاع عنه وحمل رسالته ورسالة الانتفاضة في محافل دولية عديدة.
تعرض البرغوثي للاغتيال غير مرة ونجا منها جميعا. وقال عن اختطافه في العام 2002 شاؤول موفازى الذي كان وزير دفاع الاحتلال، "إن اعتقال البرغوثي هو هدية عيد الاستقلال التي يقدمها الجيش للشعب الإسرائيلي وان اعتقاله ضربة قاتلة للانتفاضة". اما الياكيم روبنشتاين المستشار القانوني للحكومة آنذاك فقال "إن البرغوثي مهندس إرهابي من الدرجة الأولى وقد راجعت ملفاته طوال ثلاثين عاما ووجدت انه من النوع الذي لا يتراجع ولذلك يتوجب إن يحاكم بلا رحمة وإن يبقى في السجن حتى موته".
وفي 20 ايار (مايو) 2004 عقدت المحكمة المركزية في تل أبيب جلستها لإدانة القائد مروان ألبرغوثي، الذي أُدين بخمس تهم بالمسؤولية العامة، لكونه أمين سر حركة فتح في الضفة، وبكون كتائب شهداء الأقصى تابعة لفتح فأن أي عمل عسكري قامت به يتحمل ألبرغوثي مسؤوليته. وقد طالب الادعاء العام الاسرائيلي بإنزال أقصى عقوبة بحق البرغوثي وطالب بحكمة بخمسة مؤبدات وأربعين عاما.
عُقدت الجلسة الأخيرة لمحاكمة البرغوثي في 6 حزيران(يونيو) 2004، في المحكمة ألمركزيه بتل أبيب وأصدرت حكمها عليه بالسجن خمسة مؤبدات وأربعين عاما، كما طالب الادعاء العام. ورد البرغوثي في جلسة المحكمة مخاطبا القضاة "إنكم في إصداركم هذا الحكم غير القانوني ترتكبون جريمة حرب تماما مثل طياري الجيش الإسرائيلي الذين يلقون القنابل على المواطنين الفلسطينيين تماشيا مع قرارات الاحتلال". وأضاف البرغوثي " إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي، فأنا مستعد لدفع هذا الثمن".
لعب البرغوثي دورا بارزا في انجاح "اتفاق القاهرة" بين الفصائل الفلسطينية، والذي قاد إلى مشاركة معظم الفصائل في انتخابات المجالس البلدية وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثانية في كانون الثاني(يناير) 2006، والاتفاق على تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.
ترأس المناضل مروان البرغوثي القائمة الموحدة لحركة فتح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، في التاسع من ايار(مايو) 2006 وقع البرغوثي نيابة عن حركة فتح وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن القادة الأسرى في سجون الاحتلال. وتبنت منظمة التحرير الفلسطينية هذه الوثيقة بإعتبارها اساسا لمؤتمر الوفاق الوطني.
عن الغد.