أنجزت الحكومة الثلاثاء الماضي "تدريبا على اللامركزية" في محافظة مادبا بحضور ممثلي المجلسين التنفيذي والاستشاري للمحافظة ومحافظي المملكة وإعلاميين. وفي التمرين توزع أعضاء المجلسين على لجان: مثلا لجنة البنى التحتية رتبت الأولويات وحصرتها في قضايا من مثل فتح شارع أو بناء مجمع، ومثل هذه القضايا يمكن أن تنجزها وزارة البلديات أو الأشغال. وفي حال ظلت العملية تجري على هذا المنوال، فإن الحكومة مطالبة بالنظر بشكل مغاير لمسألة اللامركزية التي طرحت في الأساس كفكرة تنموية قابلة للرد أو التنفيذ.
أمام الحكومة قضايا ملحة أكثر من انجاز تدريب على اللامركزية، ويشترك معها في المسؤولية مجلس النواب، الذي شرع قبل أسبوع عبر لجنته المالية بمناقشة تقرير ديوان المحاسبة الذي كشف عند مناقشته عن مخالفات لوزارة الزراعة بلغت قيمتها 80 مليون دينار. كما كشف عن صرف مبلغ 385 ألف دينار من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي لمصلحة اتحاد نقابات العمال، فضلا عن مخالفات واستيضاحات سجلت على وزارتي الأوقاف والعدل والمحاكم والمجلس الأعلى للشباب ومؤسسة التدريب المهني ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون وهيئة المرئي والمسموع، وهناك حديث عن نحو 25 مليونh في وزارة الأشغال يجري التحقيق في وجوه صرفها.
وكانت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" بثت، قبل ذلك، خبرا عن اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب، مؤكدة أن هناك حالات فساد مالي وإداري في وزارة الصحة يفوق حجمها الـ 40 مليون دينار.
أروقة مجلس النواب تفيد بأن اللجنة رفعت المخالفات والاستيضاحات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة بحق وزارة الصحة للمجلس لمناقشة "الشبهات" لاتخاذ الإجراءات بحق المسؤولين عنها. وتبع ذلك وعد من وزير الصحة الدكتور نايف الفايز باسترداد المبالغ المستحقة للخزينة ومحاسبة المسؤولين عن هدر هذه الأموال، وكل ذلك يتشابك مع ما أثير الأسبوع الماضي عن "شبهات إنفاق هائلة" في "الشركة الوطنية للإعمار" التي أنشئت لتنفيذ "مبادرة سكن كريم".
وسط هذا السجال حول الفساد، ذهبت الحكومة إلى تمرين حول اللامركزية، ولم يصدر رد مقنع للآن من جانبها عما أثير في تقرير ديوان المحاسبة، وليس معنى ذلك أن تعطل الحكومة نشاطاتها لأجل التقرير، لكن أضعف الإيمان يقضي أن تبادر الحكومة إلى إجراء يعيد القناعة للمواطنين بالشعبية غير المسبوقة التي حققتها في استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية، أو في الثقة "العجائبية" التي منحها إياها النواب.
أمام النواب أيضا فرصة أخيرة لاسترداد الثقة بمجلسهم الكريم، وثقة ناخبيهم وأمام الوطن، وليس معنى هذا أن تقرالحكومة بالفساد، لكنها إذا ما بقيت في الحياد، فمعنى ذلك أنها تنأى عن مواجهة المفسدين.
منذ العام 2002 "وقضية التسهيلات" تعد الوحيدة التي لقيت مواجهة تستحقها. واليوم وبعد سبع سنوات يبدو تقرير ديوان المحاسبة البوصلة التي تحدد جدية الحكومة وشكل الدور الذي ينبغي على مجلس النواب أن يمارسه تجاه قضايا وطنية ملحة يتهامس بها الناس غير المؤمنين أصلا بقدرة أي حكومة على استئصال شأفة الفساد الذي صارت له جذور ضاربة في الأرض، على ما يبدو!.
بين الحكومة والنواب ما هو جدير بأن ينكشف ويعلن في الهواء الطلق. وبين الحكومة والمواطن ما هو ابلغ أثراً وقيمة وهو المصداقية التي يمكن لها أن تثبتها من جديد إذا ما قررت أن تمارس دورها بشكل وطني. لأنه إذا بقي الحال على ما هو عليه، فإن الوصف الذي تستحقه المرحلة يمكن اختزاله في أنه كلما تعدد المفسدون تكاثر المستفيدون الفاسدون الذين بدورهم سيكونون مفسدين، والخاسر هو المال العام وهيبة الوطن والإيمان بأن الكرسي في العمل العام أو الخاص هو للمصلحة الكبرى ولس للإثراء السريع الذي أضحت له ثقافته ورجالاته ومنظومته "التنظيرية" القائمة على الفهلوة والشطارة واغتنام الفرص السانحة، على قاعدة إذا هبت رياحك فاغتنمها!.
Mohannad.almubaidin@algad.jo