العالم الافتراضي وتوجيه الرأي العام
د.محمد أشرف العتوم
07-05-2018 03:14 AM
نعيش اليوم في عصر ثورة البيانات والمعلومات وأصبح حجم البيانات المتداول عبر الفضاء الالكتروني خيالياً، وبتنا نسمع وحدات تخزين جديدة لقياس حجم البيانات من اجل ان توائم النمو الهائل في كمية البيانات مثل وحدة التخزين اليوتابايت والتي تستوعب حجم بيانات يعادل ترليون ومائة مليار تيرابايت من البيانات. واكتسبت البيانات أهمية وقيمة أكثر من أي وقت مضى، وتكمن أهميتها عند جمعها ومعالجتها وتعدينها وتوظيفها في اتخاذ وتدعيم القرارات باستخدام التقنيات الحديثة مثل وسائل تعليم الآلة Machine Learning Tools. في كثير من الحالات يكون الهدف من جمع ومعالجة البيانات لأغراض أكاديمية وبحثية ولخدمة البشرية في شتى المجالات، وأحيانا من أجل التأثير على فئة مستهدفة لتحقيق بعض المصالح الشخصية او الحزبية او التجارية.
من الاستخدامات الإيجابية لمعالجة البيانات في مجال التعليم، على سبيل المثال، هو لمساعدة المؤسسة التعليمية في تحديد الاحتياجات التعليمية ذات الأولوية لمجموعات مختلفة من الطلاب واجراء تقييم فعال لأداء المؤسسة ورسم سياساتها المستقبلية. وفي مجال الاعمال، تستخدم البيانات للتنبؤ بحالة السوق المالي والأسهم بناء على بيانات تاريخيه لأداء السوق او القطاع، مما يتيح للمستثمرين والمهتمين في سوق المال والاعمال من اتخاذ قرارات البيع والشراء للحصول على أفضل عائد مالي. وفي المجال الصحي، تستعمل البيانات من أجل تحديد أفضل الممارسات الصحية التي من شأنها تحسين الرعاية الطبية وتخفيض التكاليف بالإضافة الى تشخيص الامراض والسيطرة على انتشار الأوبئة. وفي المناخ والارصاد، تستعمل البيانات في التنبؤ بمعدلات الهطول والتبخر في منطقة جغرافية معنية ومعدلات الزيادة او النقصان في درجات الحرارة على المدى المتوسط والطويل حتى تتمكن الجهات المعنية من أخذ التدابير اللازمة لمواجهة التغيرات المناخية وإيجاد مصادر بديلة. كما تستخدم في تقنين محاولات الغش والاحتيال على الأنظمة وكشف التسلل والتطفل وتساعد في التحقيقات الجرمية والعديد من الاستخدامات الإيجابية الأخرى.
بالإضافة الى الجوانب الإيجابية لتوظيف البيانات في مناحي الحياة المختلفة، فإن هناك بعض الممارسات السلبية في توظيف البيانات وذلك لتحقيق بعض المصالح الشخصية او الانتخابية او التجارية، ويعود ذلك الى أسباب متعددة أهمها اتساع نطاق الوصول الى الرأي العام والعائد الى انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي الرقمي وعلى رأسها موقع الفيسبوك الذي يحظى ب 2 مليار مستخدم "نشط" تقريبا حتى الربع الاول من عام 2018، مما يفسر التأثير الكبير لعملاق وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام العالمي والمحلي، حيث تقوم شركات تحليل ومعالجة البيانات بالحصول على الملفات الشخصية للمستخدمين وتعدينها وتحليلها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للخروج بمجوعة من المعلومات والمعارف تتضمن الجوانب والاهتمامات الشخصية والتوجهات السياسية أحيانا، وآخر مثال على ذلك ما قامت به شركت كامبريدج اناليتيكا لتحليل وتعدين البيانات، حيث حصلت على 87 مليون ملف شخصي لمستخدمي موقع الفيسبوك (وقد يكون الرقم أكبر من ذلك) وقامت بتحليل الملفات الشخصية والتنبؤ بتوجهاتهم السياسية ثم توجيه بعض الإعلانات المدفوعة لتغيير او تثبيت توجهاتهم السياسية ومحاولة التأثير على آرائهم من اجل اختيار مرشح بعينه بعد بث مجموعة من الاخبار والتعليقات والاعلانات لصالح طرف معين. ما يساعد هذه الشركات في التأثير على الرأي العالمي والمحلي هو أن مواقع التواصل الاجتماعي تتعامل، في معظم الاحيان، مع مستخدمين اعتيادين قاموا بنشر بياناتهم بشكل اختياري وطوعي، ومنهم من يتأثر بالمعلومة المنقولة ويعتقد ان زيادة الاعجاب برأي معين او كثرة المشاهدة له قد تدل على صحة الخبر ، أو أن مرشح او استفتاء معين من الممكن ان يلقى قبول أكثر من مرشح آخر بناء على كمية وكثافة التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي، وإيهام الرأي العام بحجم تأييد كبير لمرشح معين، ولا نستبعد ان يتم دراسة شخصية وتخطيط سيكولوجي للمستخدمين خلال عملية التحليل والتعدين، حتى يسهل التأثير على آرائهم وتوجهاتهم. ومن العوامل الأخرى التي من الممكن أن تؤثر على الرأي العام في قضايا معينة هو الذباب الالكتروني وهي عبارة عن مجموعة من الحسابات الوهمية التي يتم إنشائها لتظليل الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام الرقمي، حيث يتم إدارة هذه الحسابات عبر مجموعة من الموظفين من اجل ايهام الجمهور بفكرة معينة او الوقف في صف طرف ضد طرف أخر على المستوى الشخصي والمؤسسي وحتى الدولي أحيانا، وتتصف الصفحات الوهمية بأنها تفتقر الى مواضيع ذات قيمة حقيقة، ولا يتم تحديثها باستمرار، ولا تحتوي على معلومات وافية عن المستخدم، وتتميز بتحيزها الى رأي او طرف بشكل مبالغ فيه، وتفتقر التعليقات على ما يدل على قبول الآخر والمناقشة الموضوعية المبنية على الحجة والدليل.
والأردن كجزء من هذا العالم يواجه تحديات العالم الافتراضي، وقد لا نبالغ بالقول بأن التحديات في الأردن قد تكون أكبر من بعض الدول الأخرى، نظرا للموقع الجغرافي والأزمات والصراعات في بعض الدول المجاورة، وعدد اللاجئين على الأراضي الأردنية نتيجة لتلك الصراعات، وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الرقمي الناتج عن تطور البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية، وغياب آلية حقيقية لمعرفة هوية من يروج لأفكار تخدم جهات بعينها. ولمواجهة هذه التحديات فإنه على الجهات المعنية في الدولة الالتفات الى مخاطر توجيه الرأي العام للحد من إساءة استعمال التقنية والتأكد من عدم توجيهها لأغراض انتخابية وتعبويه وتجارية بما لا يتعارض مع حرية التعبير والرأي في ظل الثورة المعلوماتية؛ عن طريق مراجعه شاملة للتشريعات النافذة وقياس مدى ملائمتها مع المستجدات والتطورات التقنية، وإعادة النظر في القوانين السارية ذات الصلة، لتتضمن مواد صريحه وعقوبات غليظة للتطبيقات والشركات التي تحاول توجيه الرأي العام لأغراض مشبوهة وتنتهك خصوصية الافراد والمؤسسات، وتفعيل دور مؤسسات التعليم والمراكز الشبابية والثقافية في توعية وتثقيف الشباب وجميع الفئات العمرية ببعض الممارسات السلبية في العالم الافتراضي وتوخي الحذر عند مشاهدة المواد الاعلانية على المواقع والتثبت قبل مشاركة المواد الرقمية بجميع أنواعها، وحث فئات المجتمع المختلفة في استثمار أوقات الفراغ في نشاطات منهجية وغير منهجية.