زمن «السرفيس» كنت أترحّم على نفسي إذا ما ركب قربي في الكرسي الخلفي رجل مفرط في السمنة، أنكمش إلى ابعد حد ليتسع له الكرسي ،بالمقابل لم يكن يراعي الأخ مضايقتي أو يعتذر عن حشري بقدر ما كان يسعى لراحته هو، كلما انكمشت كلما تدلّى لحمه عليّ ، التلّ العلوي من فخذته اليسرى يصل تقريباً إلى «كسرة بنطلوني»، و»طبقة الشحم» التي تنيف عن بطنه تحاصر قفصي الصدري، أما ذراعه الغليظة التي كان يمدّها أفقيا لتمسك «برأسية مقعد السائق» فقد كانت تحجب عني الضوء والهواء ووجهوه الزملاء الركّاب وحتى «نوع المركبة».
وكلما مالت السيارة قليلاً على دوارٍ أو منحني كلما حدثت انهيارات من اللحم البشري على «كتفي ونيعي و الترقوة».
المشكلة عند دفع الأجرة! في هذه الظروف الصعبة ، كان يتطلب مني الأمر أن أسلّ كوعي وأمرره بين ذراعه و»سرّته» أحتك قليلاً بكليته اليسرى والمصران الأعور حتى اخرج الأجرة من جيبي وأهربها للسائق من جهة اليسار بأصبعين
اثنين..
كنت اعتقد أن السرفيس رحلة وتنتهي ، «طلع الوطن كله سرفيس» وكلما انكمشنا ليتسع «...» كرسيها «فغصتنا» دون أدنى مراعاة أو اعتذار..
***
بعد ارتفاع البنزين ، فكّرت جدياً باقتناء دراجة هوائية أقضي بها مشاويري القريبة وشراء حاجياتي ،لكني تراجعت عن الفكرة بسبب وجع في ركبتي واحتكاك المفصل ،وثانياً «المطوّحة» في مثل هذا العمر لم تعد تناسبني ، ثالثاً أخشى أن يدوس اطار الدراجة «حصوة» فتنقلب وينكسر «الحوض»..
ومع ذلك الحكومة ترخي حملها على دخلنا وعيشنا ولا تفكّر للحظة أن الذي يرزح تحت «ثقالة الدم» هذه كيف يعيش ويتدبر أموره؟..
صرت اختصر مواعيدي وكثير منها صرت أحلّها على الهاتف أو «السكايب» ، كما أوفّر قدر الإمكان بالكهرباء ولا أشعل غير الغرف التي أستخدمها، ولا مانع لدي للعودة إلى عصر الكهوف ،وإشعال الشمع وطهو الطعام على الحطب ،ومطاردة الأرانب البرية والحجل وبنات آوى بالنبال والأدوات الحادة ، لا مانع لدي أن أعود إلى ما قبل الإنسان الأول بل لا مانع لدي للعودة إلى «الإنسان الزقوقح» مقابل أن أرى تقدّماَ واحداً في اقتصاد البلد، وأن «...» قليلاً من يصرف يميناً وشمالاً على حساب الناس التي تحرم نفسها أدنى مقومات الترفيه، متى ستعرف حكوماتنا أن انكماشنا هذا لطف منا و من كرم أخلاقنا لا واجب وفرض وخاوة..
سيء جداً أن تشعر بالاستعباد.. و أنا غارق جداً بهذا الشعور هذه الأيام.
الرأي