زياد فريز .. السير وسط الحرائق
د.مهند مبيضين
06-05-2018 12:46 AM
أصابت الجامعة الأردينة يوم الخميس الماضي في تكريمها لرجل وقامة مصرفية أردنية بمثل زياد فريز، لم يكن التقدير لشخص من عائلة اسهمت في بناء الوطن وحسب، فعمه حسني فريز من أوائل المعلمين في البلد، وكان احد ثلاثة شباب كونوا أول بعثة أرسلتها الدولة للجامعة الأمريكية في بيروت إبان العشرينيات من القرن المنصرم، لكن التكريم لسيرة طويلة من العمل العام دون خدش أو كسر أو شائبة تطالها، فزياد فريز حاضر في المشهد الاقتصادي الوطني منذ العام 1966 ولم يكن إلا صناعة وطنية صرفة.
وهو ليس نبتاً ليبرالياً متوحشاً وفدّ للبلد في زمن منفلت، أو من النخب العابرة القادمة على حصان أسود عبر الثروة التي تتكون خارج الأوطان بطرق مريبة، بل هو صاحب عقل مالي فذٌّ، مغلف بمرونة مذهلة في التعامل مع النقد والآخر المختلِف معه، يرفض الرهانات الرقمية، وربط مصير البلد بأيدي المانحين، ويطمئن لما في «كاش المركزي من نقد» أكثر من الوعود المقدمة للدولة مهما كان مصدرها.
حصّن فريز قرار البنك المركزي، برغم نقد الناس لقرارات ارتفاع الفائدة التي غالباً ما تصيب المواطن المقترض، وهو يبشرنا باستمرار بالرفع، في زمن تغولت فيه البنوك على مصائر الناس اقتراضاً، وفي وقت يُصرح به رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي قبل أشهر -وهو محق- بأن البنوك افترست الناس وأغرقتهم بالقروض، هنا على الدكتور فريز أن يجيب عن شكل الحل، هل نوقف الاقتراض؟ وإذا كان الجواب نعم، هل تكفي رواتب الدولة للعيش؟ أوليست الفوائد بالغة الضخامة وكبيرة؟.
مع ذلك، وبرغم اختلال موازين البنوك في علاقاتها مع المواطن الذي بات مرهوناً في زواجه وسيارته وداره ودراسة أبنائه لقروض بنكية، فإن الرجل أعاد للبنك المركزي استقلاليته وهيبته التي كوّنها ورسمها الكبار الذين أسسوه وتعاقبوا، عليه أمثال خليل السالم ومحمد سعيد النابلسي، وهي سير طوّر فريز على اسلوبها، فكان مزيجاً من خبرتها الموروثة والمعروفة بوطنيتها، ومن دأبه وسعيه الشخصي للتقدم والعمل المنضبط بأعلى درجات الدقة، والقدرة على إنقاذ اقتصاد البلد وسط حرائق الإقليم.
في اقتصاد زمن مضطرب وبعد أزمة مالية عالمية ضربت العالم 2008، وقيل أن آثارها سوف تصلنا بحلول العام 2012، وبالتزامن مع تصريحات رؤساء الحكومات المضطربة أحياناً عن الوضع المالي وحالة الدينار وقيمته والقول بهبوطه أو محافظته على مستواه في الصرف، جاء زياد فريز لقيادة المؤسسة المالية الأهم أردنياً، وظلّ في منأى عن الاستدراج، واضعاً قلبه المصرفي في الثلاجة، لكن العقل كان يعمل ويشتغل ويجري أدق الحسابات، جراء ما كانت البلد تذهب إليه وبخاصة في حقبة الربيع العربي.
بين عامي 1966 -1982 كانت خبرة فريز تتطور في دوائر البنك المركزي، قبل أن تخطفه الحكومات وزيرا في عدة حقائب، كان أهمها وزارة التخطيط التي تولاها أربع مرات، وبرغم حساسية هذه الوزارة، والتهم العديدة التي نالت من شغلها، إلا أن اسم زياد فرز ظلّ بعيداً عن النطق بالسوء وبخاصة من قبل الحراك الشعبي الذي مثل وربما دون موضوعية أحياناً فلتراً لتصفية من تولوا مصائر البلد الاقتصادية وشهدوا حقبة الخصخصة، فعلّق الشارع بهتافاته أسماء المتهمين ببيع الوطن ظناً وتجنياً وربما صدقاً.
هبة نيسان 1989 أطاحت بقيادة البنك المركزي، ووزير المالية آنذاك، وكانت إحدى معضلات البلد أن محافظ البنك المركزي آنذاك لم يكن يقدم البيانات الصحيحة للحكومة، تناقص مخزون البنك من العملة الصعبة وهبطت قيمة الدينار في أزمة مزدوجة، واكسبنا نيسان قيادتين ماليّتين، بأن صار زياد فريز وزيراً للمالية، وأن عاد محمد سعيد النابلسي محافظاً للبنك المركزي بعد أن أُقصي وسافر للكويت منذ منتصف الثمانينيات لخلاف مع رئيس حكومة سابق.
بين وزارة وأخرى كان نجم زياد فريز لا يغيب عن المصارف وعالمها، إما مديرا أو رئيس مجلس إدارة أو رئيسا تنفيذيا، وهو لم يضع قدمه في مؤسسة إلا وأكسبها الكثير من سَمتهِ وصفاته، فأحال بعضها من القلق والارتباك إلى الاستقرار والنمو.
جاء فريز محافظاً للبنك المركزي في أوج الربيع العربي، بدءاً منذ العام 2012 وكان عليه أن يعمل الكثير، كي يستقر النقد والسياسات النقدية، وهنا نجح الرجل في تمرير البلد من أزمات كبيرة.
صفته المركزية كمصرفي ومالي، لم تحل دون أن يحافظ على صفاته الطيبة في الدماثة والبحبوحة وتشجيع الشباب على تولي مواقع متقدمة، مع بساطة ووفاء منقطعي النظير للصداقات المديدة عبر السنين.
هو محافظ ووطني بامتياز، لا يتهرب من مسؤولياته، ويحترم رأيه ومهنيته، التي كان ينتصر لها دوماً، فيكسب من وراء ذلك الوطن والناس معاً.
هناك نقول للجامعة الأردنية: شكراً على تقدير اصحاب الانجاز ومن يعملون بهدوء.
الدستور