كظاهر اليد تمتد العروق وتلتقي ثم تسير الهوينا حتى تصبّ في القلب ، هي " المسرّة " كل الطرق تلتقي بها ، فالقادمون من الزرقاء يقطعون "سيل الزرقاء " ثم يصعدون نحو " صروت " حيث الغيم يلامس رؤوس الشجر ، ومن تلك الروابي تطلّ عليك كل القرى وكأنك تناظرها من شباك الطائرة حتى تبان لك قرى جرش وعجلون وجنوب إربد ، وعندما تمتلئ رئتيك من هواها تهوي نزولا نحو مثلث "المكمان وبيرين " ثم تنعطف نحو المسرات .
أول بيوت المسرات " الشرقية والغربية " جارات " العالوك " تتصادف مع معسكر القوات الخاصة الذي يستقر على الكتف الأيسر في " الشنقارة والسناد" ، حيث يمتلىء الصباح بصوت العسكر ويختلط بأنفاس المصلين للفجر ، ومن تلك السفوح تسلّم على " جبل القرين " حيث يغفى القمر هناك .. ثم تلامس بعينيك بيت الشاعر حبيب الزيودي هادئا وادعا على جانب الطريق بين التين والزيتون ، كان قبل سنوات " وزارة للثقافة " يلتقي به كل المثقفين والشعراء وأبناء الوطن ، لم تنطفئ له نار ولم تبرد له قهوة وحبيب يقيم التعاليل من شرفته ، كان يقول حبيب أنا الملك "آلوك" أطل على كل البلاد من هنا وأقرأ شعري على "منازل أهلي " وعلى الفقراء والمتعبين والعاشقين والفرسان ..:
"أهلي وقهوتهم بالطيب عابقة
يؤمّها الناس فرسانا وعشاقا ".
في المسرة الشرقية وفي مقبرتها المقابلة للقرية الرومانية القديمة نام حبيب تحت سنديانة تتكئ على سورها الشمالي ، صمت نايه هناك حزنا على البراري التي سكنها الغرباء.
قرية المسرة ما زالت تستقر بمنتصف القلب ، تشتعل بالزيتون والبلوط والدحنون ، ورغم إمتلآئها بالقرميد والفلل التي إحتلت موارسها ومروجها، وغاب عنها القمح والشعير والفقوس والباميا لكنها ما زالت متوهجة بالحكايات وبالجذور الطيبة والذكر الحسن لمن سكنوها من أهلنا الطيبين .