الأشياء المركوزة والمكتومة داخلي أصبحت تُتَرجَم على شكل هدوء، سَرَحان، تبلُّد صداع عصبيّة ضحكات مجاملة... الألوان سُرقتْ كلّها وأصبحت الصور باهتة، أشتهي نوماً عميقاً جداً، وأن أرحل عن كل شيء وأبتعد، ولا أريد أن أشتكي، ولا أريد أن أضحك أو أبكي، لا أريد أن أسمع أخباراً أو أصنع اتصالاً ولا أقرأ جريدة ... أريد أن أشبع نوماً فقط !! أن أغيب غيبة طويلة متسلحاً بورقة وقلم فقط لكتابة الاحداث يوماً بيوم، فلقد تذوقت من الخيبات ما يكفي حتى أصبحت الأشياء تغادرني دون أن تلوّح لي بيدها،
أصبحتُ أحتاج لشيء يسمعني بصمت، كالبَحر مثلاً، يسمعني ولا يجادلني، لا يقطع حديثي يحمل عني ما أثقَل كاهلي، يبادلني حديثي بنسماته العليلة، ينعشُ روحي من جديد، يغسلني من الهموم يمزج دموعي بقطراته ويحولها لأمواج تتراقص بخفة وأسائله على لسان إيليا أبو ماضي: هل أنا يا بحرُ منكَا؟ وهل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكَا؟ أم ترى ما زعموا زوراً وبهتاناً وإفكَا؟ فيرد عليّ بعد أن يربت على كتفي ويقول لي لا تحزن...
أخبر قلبك الهادئ أن يوماً ما في مكان ما... سيأتي الفرحُ إلى قلبك وسيحتضنك كثيراً، أخبر حزنك أنه سحابة صيف وتنقشع...
حين تتهاوى كل ذكرياتي أمام ناظري وأحاول جاهداً أن أحتويها فأجدها أكبر مني حينها ألوذ بالصمت وأبلعُ الذكريات كلّها، وأدعو ربي أن يلهمني تصبُّراً أرتشفه وقت التبعثر، ويمنَّ عليّ بنعمة النسيان لأنسى أنني اخلصتُ يوماً أو اهتميت يوماً أو أحببتُ يوماً....
يقولون إن الأيام كفيلة بأن تنسيك الألم وتطفئ عندك جذوة الانتقام وهي بلسم الغضب، تخنق الكراهية وتنكأ الجراح وتداوي العلل.... لكن رائحة الذكريات تلتصق بكل شيء وتفوح من أرجاء المكان، لا نسيان يجدي معها ولا تناسي ويبقى شيء من الذكرى عالقٌ بنا رغم الأيام .. عجزتْ بد النسيان أن تطاله!
ولأننا مخلوقات مليئة بالمشاعر والاحاسيس نعيش طوال الدهر باحثين عن السلام الداخلي وعن شواطئ الأمان فنحتاج الى مَنْ يهدهد الطفل في أعماقنا، ويقتسم معنا الألم، نحن في أحاديثنا عن الألم وفي معاناتنا الدائمة، لا نحتاج حلولاً جاهزة بقدر ما نرغب بأحد يشاركنا هذا الألم أو بأحد يشعر بما نشعر به، عندها تسري في الجسد راحة واسترخاء وقبول ورضى بالألم ...
سلامًا على الذين إنْ خاننا التّعبير، لم يخُنهم الفهم! وإذا فسَدَت مفرداتُنا، أصلحوا نواياهم.