( سطورُ إنصافٍ في رحيل الزميل الأستاذ أحمد الدباس رحمه الله )
[ فجع الوسط الإعلامي ضحى الخميس بنبأ وفاة الصحفي أحمد الدباس رحمه الله ، عضو الهيئة الإدارية السابق في نقابة الصحفيين والكاتب الصحفي في الشقيقة الدستور ، والتي كان يكتب فيها زاوية يومية بعنوان (مجرد كلمة) ، ظلت حتى أسابيع ثلاثة خلت ، أي منذ دخوله المستشفى ، حصناًُ حصيناً في خدمة الوطن والمواطن ..
ومهما يكن فإن نداهة الرحيل قد امتثلت لأمره سبحانه وتعالى ، بصعود روحه السمح إلى الرفيق الأعلى بعد مقارعة سنين مع المرض العضال ، وكان قد أُخرج رحمه الله من مستشفى الجامعة الأحد الماضي ، بعد أن أخذ جرعة كيماوي لم يقوَ جسده النحيل على تحملها ، فأوتي به إلى مستشفى حمزة وهو الأقرب لمسكنه في طارق حيث أسلم الروح بعد ساعتين من وصوله ..
لست هنا ، اليوم ، أنعي النسيب القريب والزميل الصديق المرحوم الدباس وحسب ، بل أيضاً ولكن في المقام الأول أنعي في بُرديه الكاتب والصحفي والمثقف اليساري العتيق – إذ كان المرحوم ناشطاً سياسياً يشار له بالبنان ، أيام كان العمل الحزبي تخصيصاً والحراك السياسي تعميماً ، على تنوع تياراته القومية والإسلامية و الشيوعية (الخ)، عملاً يراد به وجه الوطن وخدمة الأمة ، لا ساحاً هملاً كما هو راهن الحال حيث الضجيج الأيدلوجي الباهت والعجيج الشعاراتي المتهافت ، وإلا ماذا يمكن أن نطلق من توصيف أو نقدم من تعريف ، لحالة التراجع الحزبي هذه ولأزمة تردي الحراك السياسي في البلاد بإجمال ؟!
أنعي .. أجل .. وفي إهاب أبي علي رحمه الله ، رجل العمل العام صاحب الموقف المستند إلى رؤية سوسيولوجية ثاقبة ، وكذلك المنهج التنويري بروافعه الإنسانية النقية وأذرعه المعرفية العميقة ، وهو موقف بعيد الغور أحسب أنه كان لدى الراحل العزيز عميق الدلالة والمدلول في آن معاً ، موقف ضارب الجذور أيضاً ، إعلامياً وصحفياً أولاً .. وطنياً وإنسانيا بالتالي ، في عمق أديم هذه المهنة الحضارية الجدلية والأهم أيامنا هذه ..
ولعل رحيل الأستاذ الدباس .. على عظيم مصابنا بفقده الجلل ، يستوي مناسبة ملحة وفرصة مستفزة للحديث من على بلاط صاحبة الجلالة : الصحافة ، عن المرحوم كعلم من أعلامها البارزين وكنموذج للأداء المهني ولما يجب أن يكون عليه الصحفي الناجح أيضاً ، من حيث أن الصحافة في أي مجتمع مدني والأردن أنموذجه الأمثل، هي الرقيب الأخلاقي على السلطات الثلاث كصاحبة النيافة : السلطة الرابعة ..
وفق التخريجة .. فإن الصحافة هي الشاهد الأمين على متابعة الرسم البياني للنهوض الوطني ، بتوهج حلقاته في سلسلة تجليات حراكه الحيوي وعلى الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بالتالي ، والناقل المؤتمن لنبض المواطنين الطيبين ووقع جدلهم اليومي والطيف السياسي منهم في المقام الأول ، فضلاً عن كونها تقدم وجبتها المعرفية للناس بتلاوينهم كافة ، بما اصطلح على تعريفه بين المهتمين علمائهم وعوامهم أيضاً بالمنشور الثقافي للجماهير ، والذي كان إلى عهد قريب يومياً عبر الصحافة اليومية وأسبوعياً عبر الأسبوعيات ، قبل أن تتفوق الميديا الإعلامية على نفسها ، بتقديم هذا (المنشور الجماهيري) ، أخباراً وتحاليلَ وتغطيات ، ليس فقط يوماً بيوم ولا ساعةً فساعة بل دقيقةً بدقيقة ، بانضمام الأقنوم الرابع الإلكتروني بعد المكتوب والمسموع و المرئي ..
لقد ظل المرحوم في نزال شرس مع جاندرما هذا المرض العضال : السرطان ، سنين عدداً وتحديداً عقد ونيف من الزمان قبل غيابه المفجع ضحى الخميس الماضي ، وكان جلالة المغفور له خالدنا الحسين طيب الله ثراه ، قد شمله برعايته السامية وشخصياً حين أمر بنقله إلى مشفى مايوكلينك في الولايات المتحدة ، حيث بقي في صحبة جلالته بإشراف نفس الأطباء والكوادر التمريضية في هذا الصرح الطبي الشهير ، وبالمناسبة ومن باب إنصاف الحسين للدباس رحمهما الله ، ومن منطلق عدم كتم الشهادة ناهيك بواجب ذكر حسنات الراحلين ، أشير هنا إلى مجرد عناوين هي إشراقات حسب ، للوشيجة العظيمة المتمثلة في وفاء الصحفي الجندي لقائده العظيم رحمهما الله ، إذ روى لي المرحوم الدباس وبما يشبه البث الحي عن مواقف الملك الأب طيب الله ثراه ، عن شجاعته الأسطورية الغير مسبوقة في مواجهة السرطان ، وكيف أن جلالته كان يقابل الأطباء والممرضين و العلاج بل والزوار أيضاً ، بالممازحة وخفة الظل وإطلاق النكات أيضاً ، وكيف أنه غادر مايوكلينك وهو في أوج أزمته الصحية ليلبي نداء الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ، لمساعدته كزعيم حكيم ومستشار فذ في إنجاح كامب ديفيد الثانية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، وكيف كان يداعبه شخصياً حيث كان يناديه تحبباً بلقب (أبو دبوس) ، قبل أن يرحل جلالته قبل عقد من الزمان ليلحق به جنديه الدباس أمس الأول ..
لقد عمل المرحوم الأستاذ أحمد الدباس ، خلوصاً ، في الصحافة الأردنية والعربية ومراسلاً صحفياً لوكالة الأنباء الأردنية ، في غير بلد منها العراق وقبلها بيروت التي عاصر فيها في مفتتح الثمانينات الإجتياح الإسرائيلي ..
رحم الله فقيد الإعلام الأردني وفقيد الأردن الغالي رحمة واسعة ، ووسع مدخله مع الصديقين والصالحين وجعل قبره روضة من رياض الجنة ، فقد عاش صحفياً شريفاً ومواطناً مخلصاً ومات صحفياً شريفاً ومواطناً مخلصاً ، فنعم نُصدّق .. نشهد ونصادق .. على أن كل نفس ذائقة الموت لا محالة ، ونعم .. فما تدري نفس ماذا تكسب غداً ولا تدري بأي أرض تموت ، وصدق الشاعر الثعالبي حين قال في قصيدته (يتيمة الدهر) .. ما زبدته : وكل ابن أمة وإن طال زمانه فهو يوماً على المحفة البيضاء محمول ، و .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. ]
Abudalhoum_m@yahoo.com