هناك منطق تحترمه وتتوق لمحاورته , وهناك ( هيزعة ) تصم الاذان وبكاؤون يبحثون عن مأتم يشبعون فيه لطما .
أقول هذا الكلام وأنا أتأمل ما يكتب حول مشروع الاقاليم الذي تطرحه الحكومة , فأجد من يحاور في صميم الفكرة ويطالب بمزيد من الحوار والتدريج في تطبيق اللامركزية , ويشير الى نواقص أو يطرح أفكارا أضافية , وهذا منطق تحترمه , وأجد من وجد فرصته لنصب صيوان عزاء أستقلال البلد والبكاء على القضية الفلسطينية المعرضة للتصفية على أيدي أعضاء مجلس أقليم البلقاء ( الوسط ) , في زفة ( كاريكاتورية ) وفزاعة كاذبة لأيهام عامة الناس أن الحكومة والنظام برمته يتأمران على تقسيم البلد .
مرة يقولون أن الهدف من مشروع الاقاليم أبتلاع محافظة الانبار العراقية وضمها الى الاردن , وكأن الانبار أرض خالية من السكان أو كأن تشييع العراق وأقتلاع السنة من الدولة العراقية لايهدد أمن الاردن الاقليمي , أو حتى كأن الانبار ( أرض البارود والمقاومة ) حجر شطرنج تستطيع كل قوى العالم زحزحته من مكانه !! . أليست هذه حجة تافهة لاتستحق تضييع وقت في مناقشتها ؟؟ ومرة يقولون أن الهدف من مشروع الاقليم التمهيد لأبتلاع الضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية , وكأن سكان الضفة الغربية مجموعة من العمال الوافدين يجري تسفيرهم بقرار من وزير العمل الاسرائيلي أو حتى الامريكي !! أسرائيل بكل جبروتها وصواريخها عجزت عن أخضاع قطاع غزة , فهل تستطيع أخضاع الضفة الغربية حتى لو ساندتها أساطيل حلف شمال الاطلسي ؟؟ هل يستطيع أحد في العالم أن يجبر المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على تصفية قضية مقابل الانضمام الى أقليم مدينة السلط رغم أنها كانت من أوائل مدن المملكة في أحتضان ودعم المقاومة الفلسطينية ؟؟
مجرد حجج تنقب في المصطلحات وتبحث عن أسانيد سياسية لأعتلاء المنابر وأرتداء ثوب المعارضة , بل ومحاولة تسلق مركب المعارضة الوطنية المنظمة الملتزمة بثوابت الدولة .
هناك من ينطلق في معارضته لمشروع الاقليم من منطق أن المشروع غامض !! وقد سمعتها في أكثر من منبر وقرأتها في أكثر من صحيفة , ولم أفهم موقع الغموض ؟؟ لم يفسر أحد أين الغموض ؟؟ وكيف يكون هناك غموض ورجال القانون والسياسة خارج الحكومة أكثر حنكة ومعرفة ممن هم داخل بيت الحكومة , ويقولون أن مشروع القانون يكتنفه الغموض ؟؟ وهذا كلام لايصدر عن رجال قانون ولايصلح لنقد نصوص تشريعية ,, قد تقول أنه تشريع غير مكتمل ,, ربما .. وقد تقول أن فيه ثغرات تشريعية تحول دون خدمة الاهداف المطلوب تحقيقها ... ربما .. أما أن نشاهد هجمات شرسة على المشروع ممن أعرف جيدا أنهم لم يقرأوا المشروع بتاتا , اذ عندما كنت أسأل أحدهم عن نص في القانون أكتشف أنه يتذرع بعدم حصولة على نسخة من المشروع بعد فهذا هو العجب العجاب .
وهناك من يرى أن الحكومة لاتتمتع بالشفافية في طرح مشروع الاقاليم , بينما يقول رئيس الوزراء أن الحكومة ليس لديها ما تخفيه ومستعدة للحوار , ثم هناك مجلس نواب تستطيع أي كتلة فيه أن تطلب الرئيس للمناقشة فان رفض فقد ثبت عليه غياب الشفافية .
لم يلاحظ أحد من الاعلاميين أو السياسيين أن مشروع الاقاليم بعد طرحه من قبل اللجنة في الاجندة الوطنية , سكن وغاب عن الظهور ثم عاد الى العلن وتبلورت الفكرة , لم يسأل أحد عن السر . ولم يلحظ أحد أنه وبعد تقرير لجنة الاقليم قام الملك بجولات واسعة شملت كل محافظات البلد والتقى بالفعاليات الشعبية في كل مدينة من الشمال الى الجنوب وبعضها زارها أكثر من مرة وناقش وحاور الفعاليات المحلية وأستمع لمشاكلهم وقضاياهم .
لقد كنت موجودا كأعلامي مستمع في عدد من جولات قائد الوطن , أستمع الى ما يقوله الناس للملك , وكلها تقريبا مطالب تنموية وخدمية , وفي كل مكان شكوى من عدم أهتمام الحكومات بغير العاصمة عمان وكان بعضهم يصارح بالقول أنهم لم يروا وزيرا يزور منطقتهم , وكلهم تقريبا يجأرون بالشكوى من أبتلاع العاصمة للجزء الاكبر من المخصصات المالية للنفقات الرأسمالية وحتى الجارية في الموازنة العامة ,ولذلك كان كل نائب تحت القبة وخارجها يحاول أقتطاع ما يمكنه من الخدمات أو المخصصات لدائرته الانتخابية حتى أصبحت الحكومات نهبا لأبتزاز خدمي مقابل الثقة .
ويبدو لي أن جلالة الملك كان يتأمل ما يجري على أرض الواقع حتى وصل الى قناعة بأن وقف الشكاوى التي سمعها من الناس وحلها يكمن في أشراكهم في وضع الحل والخطة والبرنامج والقرار بدعم فني لوجستي من الاجهزة الحكومية فكانت الرؤية الملكية بالايعاز للحكومة للبدء في تنفيذ مشروع الاقاليم , ومن هنا فان تفصيلات المشروع وآليات التنفيذ ليست بالطبع كتابا مقدسا , وانما مشروع قانون سيأخذ حيزا واسعا من الحوار والتعديل في مجلس الامة , ومن الظلم أن يقال أن للمشروع أهداف وأجندات سياسية مخفية .
ناقشوا الحكومة وخالفوها في تفصيلات الفكرة ونصوص التشريع ونقاط الضعف هذا حق للجميع أما مناقشة أسس النظام السياسي للدولة والتشكيك فيها تحت ستار مناقشة مشروع قانون الاقاليم فهذا خبث سياسي وباطنية تخفي وراءها أهدافا أخرى غير بريئة .
ان الحركة الاسلامية تتحمل مسؤولية كبيرة في بناء الوطن والوصول الى تنمية ديمقراطية سياسية حقيقية , ومن هذا المنطلق فانني أرجو ألا تنجر الحركة تحت وطأة الممارسات السلبية التي تجري بحقها بين وقت وأخر الى معارضة مشروع الاقاليم لمجرد الانتقام مما يصيبها من تضييق حكومي , بل ان من الحكمة أن تنخرط الحركة في مناقشة المشروع بكثافة وربما تستطيع أن تربط بين نجاح مشروع الاقاليم وتعديل قوانين الانتخاب والاحزاب باتجاه ديمقراطية حقيقية , اذ لن ينجح مشروع الاقليم بدون أن تكون هناك أرادة سياسية قوية بأن تجرى الانتخابات سواء لمجلس الاقليم أو لمجلس النواب بحياد كامل وشفافية عالية , ان ربط هذا بذاك خطوة طيبة باتجاه تحديث وتطوير الحياة السياسية والمشاركة والتعددية أما المعارضة لمجرد المعارضة أو الثأر فانها تعرقل الوطن ولا تعرقل الحكومة . السبيل.