يؤكّد اصحاب النظريات السياسية والاقتصادية ان لا انفكاك بينهما، ويرى اصحاب القرار في الدول العظمى وغير العظمى ان عشرين قرارا اقتصاديا يتم اتخاذها بإحكام لتسهيل اتخاذ قرار سياسي يكون له انعكاسات مهمة على الدولة والمجتمع، وفي كثير من الاحيان يتم التنكر للمواثيق والاتفاقيات التجارية والاقتصادية الدولية لخدمة قرار سياسي.
وهذا حصل اكثر من مرة، منها على سبيل المثال فرض رسوم جمركية على مستوردات الولايات المتحدة الامريكية من الصين، وفرض حماية جمركية على مستوردات الصلب والالمنيوم برغم تأثيرات القرارات على حركة الاستثمار الصناعي الاميركي، الا ان للقرارات اهدافا سياسية للضغط على الصين في ملفات سياسية، منها حقيقة مواقف بكين من كوريا الشمالية.
ان لجوء نظام ما بعد توليه سدة الحكم الى تخفيض الضرائب لكسب ود جمهور الناخبين في دورة انتخابية قادمة، وهذا التخفيض يؤثر سلبيا على الايرادات المحلية، وفي الازمات وتفاقم المطالبات الشعبية تقوم حكومة ما بتخفيض اسعار السلع وتقديم إعفاءات ويصل الامر حد صرف رواتب إضافية للمواطنين وزيادة مداخيلهم لكسب رضا الشارع، وهكذا قرارات اهدافها سياسية بامتياز وهناك عشرات الامثلة على ذلك.
التأثير الاقتصادي لغايات سياسية لا تؤثر على الدول المستقرة، فالفصل بين السلطات يقلص ذلك، فالانتخابات في الدول التي اعتمدت الديمقراطية وكرستها عبر عشرات العقود تأخذ قرارات اقتصادية ومالية داخلية لخدمة الاقتصاد والمساهمة في تسريع وتائر النمو، اما في الجوانب الاخرى فتعالجها ببرامج متوسطة الى طويلة الامد لخدمة المجتمع.
لذلك لا ينشغل الناخبون في المانيا وبريطانيا وفرنسا كثيرا بالضرائب والرسوم فهي واضحة، خلافا للناخبين في المنطقة العربية يختلط الحابل بالنابل بين اتهامات بالتدخل والتأثير، ويركز المرشحون على وعود اقتصادية اجتماعية لا يتحقق منها الا اقل القليل، اما السياسات فتمر بيسر وتحصل الحكومات على الثقة بغض النظر عن ما يريده جمهور الناخبين، والصورة تتكرر في كل انتخابات.
وفي الوقت الراهن كما في مطلع القرن الماضي كان للقرارات الاقتصادية لدول كبرى اهداف كولونيالية، تغرق الاسواق بسلع رخيصة الثمن لاخراج الصناعات المحلية ثم تستولي على الاسواق وتدعم التجار والوسطاء، وتقدم القروض والمنح للتمكن من رقبة الاقتصاد والسياسة في نهاية المطاف، والديون وخدمتها اكبر تحد واجه الشعوب والدول سابقا وحاليا، لذلك حشدت امريكا معظم ساسة دول المنطقة في حربها على العراق في العام 1991، وقدمت عشرات المليارات من الدولارات للدول وحكوماتها، وكان لها ما سعت اليه.
هناك عشرات الامثلة في امريكا الجنوبية وافريقيا ودول العالم الثالث التي غرقت في الديون صاحب ذلك إخفاق تنموي، وتم وفق تخطيط وتنفيذ محكم ووقعت تلك الدول تحت رقبة السياسات الاستعمارية ووظفت الديون ( ضمن سياسة العصا والجزرة ) واثرت على سياساتها ذات البعد الاستراتيجي..متانة الاقتصاد مفتاح النجاة وقد يفتح ابواب الطامعين والمستعمرين.
الدستور