حادثة الجمعة .. وكيس (الشيبس)
رنا شاور
15-04-2009 03:46 AM
الفتاة التي حاولت الانتحار الجمعة الماضية بطريقة أقرب إلى اخراج أفلام هوليوود تثير في البال أكثر من ملاحظة.. أولها أننا لم نعد ننفعل وأننا نصنع من حدث الموت تسلية تلوكها الألسن وأهم من ذلك كله، أن يسيطر فعل الانتحار على عقل يافع لارتكابه فذلك أمر مفزع وخطير ومروّع.
الفقر كافر والحاجة كافرة والظلم كافر والقلّة كافرة والقهر كافر والقسوة كافرة، ولو أننا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه أمور تتيح أو تبيح للناس الانتحار لكانت اسطحنا كلها مسارح جريمة محتملة، يضاف للتشجيع عليها قلة الإيمان وعدم السوية النفسية أو قلة ادراك أو اندفاع شباب.. وكلها أمور لا تعين المأزوم كي يرتب أولويات حياته أو أن يدرك أن لا شيء يستحق أن ننهي حياتنا كرما له ولا أحد يستحق أن نهرب الى الهاوية من أجله.
اللافت أكثر من محاولة الانتحار هو ردود الفعل حولها..تسعون بالمئة تقريباً من التعليقات والمداخلات على الحادثة التي نقلتها بشكل تفصيلي ومصوّر جميع المواقع الالكترونية سخرت من المراهقة العقلية للفتاة ورجّحت أن من الأجدى تركها لتلاقي حتفها باعتباره عقابا عادلاً على محاولة الاستعراض ولفت الانتباه وتضييع وقت الناس، الذين بدوا في غاية التسلية!.
حتى لو أن الفاعل يجب أن ينال عقاباً لماذا لا نتساءل ماذا وراء قرار مواجهة الموت؟، لو استثنينا القدرات العقلية والالتزامات الدينية، فإن الأصابع تشير حتما إلى الشعور بالظلم من المحيط والشعور بالغربة داخل الأسرة، وما حصل ليس سوى وسيلة خطيرة لمشاركة الهم الذاتي كي يصبح همّاً عامّاً.
الفتاة في كثير من الأسر تعيش غربة تعاني فيها بصمت،فتنحو إلى تشكيل ثقافة طارئة تتبلور في نسيجها أفكار خاصة وساخطة تطغى على ثقافة العائلة، وهذا لا يمنح الفتيات الرازحات تحت ثقل المشاعر القدرة على اتخاذ قرارات سليمة ولا ينعكس على الدور التنموي المأمول منهن، ولو أتيح لك الغوص في أعماق الفتيات المراهقات فستتعرّف إلى عوالم خفية ومشاعر متضاربة وكم هائل من الغضب، من جهة ثانية فإن اعتماد اسلوب الشك والريبة في تربية البنات واتباع الأمر والنهي بدل ثقافة الحوار يزيد الطين بلة يرافقه تفاقم الحاجة والفقر والشعور بالقهر حتى يكاد الانسان لا يتلمس طريقه من الوجع ،وكلها دعوات لانعدام التوازن في المحيط.
مرة ثانية ماذا وراء قرار السعي إلى الهلاك؟ انها تراكمات خطيرة بالضرورة التوقف عندها.. إنه قلق بلا نهايات يغتال حب الحياة وجب أن نتدارس أسبابه بسرعة.. لكننا لم نعد ننفعل، ونظن أن أحداً يقرر في نهاية الأسبوع أن يكون على شفير الموت لأنه يرغب في الحصول على كيس (شيبس) !.
الراي.