جيهان .. والتعبير السلمي عن الغضب
مالك نصراوين
14-04-2009 07:44 PM
الحادثة الغريبة التي شهدتها عمان خلال الاسبوع الماضي ، وهي التظاهرة التي كانت بطلتها فتاة قروية اردنية ، من قضاء ذيبان المحروم في محافظة مادبا ، والتي استطاعت فيها ان توصل رسالة احتجاجية ، رغم عدم وضوحها او تشويهها ، الى ملايين الاردنيين ، والى العالم اجمع ، وبشهادة الاف المواطنين الذي تابعوا عملية التهديد بالانتحار قفزا من سطح بناية عالية ، هذه الحادثة تعتبر الاولى من نوعها من حيث التغطية الاعلامية التي رافقتها ، ومن حيث الاصداء التي احدثتها في الشارع الاردني ، وقد فاقت بتأثيراتها ، تأثيرات اي عملية انتحار حقيقية ، من تلك التي نشهد العديد منها سنويا .
كان بودنا ان نسمع ماذا تقول جيهان الهواوشة ، وما هي الرسالة التي ارادت توجيهها ، وهي في الأساس رسالة اعلامية ، لا ان نعتمد على تصريح من هنا ، وتصريح من هناك ، وعلى تشكيك بقدراتها العقلية من هذا الطرف ، او تباكيا على ضياع جهود نشاما الوطن من الامن العام والدفاع المدني ، من قبل بعض المتخمين ، الذين لم يعرفوا معاناة الحرمان ، بشقيه المادي والمعنوي .
نسمع الكثير عن احداث اجرامية ، في دول مختلفة من العالم ، ومنها الدول الغربية المتقدمة ، التي توفر لمواطنها مستوى عال من الرفاهية ، كأن يهاجم شخص غاضب رواد مطعم فيقتل ويجرح العديد من الابرياء ، او يقوم تلميذ صغير في مدرسة اعداية بقتل تلاميذ واساتذة ومارة في الشارع ، او نشهد جرائم قتل وتفجيرات انتحارية ، لقتلة يدعون فيها النضال والمقاومة ، كما شهد العراق خلال سنوات الاحتلال الامريكي الماضية ، وهذه احداث وجرائم تبعث دائما على الاشمئزاز من منفذيها ، اما من يعبر سلميا عن غضب خاص او عام ، ، اويعرض حياته فقط للخطر للتعبير عن الاحتجاج على امر ، فهو انسان يحترم حياة الاخرين ، ويختلف اختلافا كليا عمن يصب جام غضبه على الابرياء ، رغم ان قتل النفس محرم في كل الاديان السماوية ، ويندرج تحت بند جريمة القتل .
لقد شهدت اوروبا قبل عدة سنوات ، حالات مشابهة من التعبير عن الاحتجاج ، قام بها اكراد يقيمون هناك ، وذلك بحرق انفسهم بالشوارع ، تعبيرا عن غضب قومي لمعاناة الاكراد في بعض الدول ، ولا يملك المرء الا ان يشعر بالتعاطف مع هولاء المحتجين ، واسلوب احتجاجهم الذي يمكن اعتباره سلميا الى حد ما ، لا يؤذي الاخرين الذين لا ذنب لهم ، وبنفس الوقت ، فهو اسلوب مؤثر لا يقاربه اسلوب الاحتجاج اللفظي ، سواء بالكتابة او التظاهر .
رغم حرية التعبير التي يعيشها الاردنيون حاليا ، وبالأخص من خلال المواقع الالكترونية العديدة ، التي يستطيع من خلالها المواطن طرح أي قضية فردية او عامة ، والتي تعتبر متنفسا لهم ، الا ان داء الملل سريع الانتشار لدينا ، لكثرة ما يطرح من قضايا ، وعدم التجاوب معها ، وتطنيش المعنيين بالحلول ، والمناعة التي تولدت لديهم تجاه النقد ، وبالتالي فلن تجني جيهان شيئا من طرح قضيتها ، والتي لا يعلم الكثيرون تفاصيلها المؤكدة ، من خلال هذه الوسائل الا تعليقات ، قليل منها متعاطف معها ، والاغلب متهكما عليها ، فقادتها هذه القناعة ، الى ابتكار وسيلة جديدة لافتة ، وبالتالي لن نستطيع الحكم لها او عليها ، الا بعد معرفة كل تفاصيل قضيتها ، وما هي الابواب الاخرى التي طرقتها .
m_nasrawin@yahoo.com