هنا في الخليج تختلف الملامح بين اغتراب واغتراب، وبين أسباب ودوافع الغربة بين شريحة وشريحة، لكن الملمح العام لبعض الجنسيات المغتربة يتشابه على نحو ما، فلدى بعض الجنسيات تكاد لا ترى إلا من هو متوسط في اختصاصه أو مهنته، وتشيع بعض الأقوال والأمثال حول بعض أصحاب المهن، كلأطباء مثلا.. فعندما تحتاج طبيبا وتسأل عن الطبيب فلان يقال لك: (لو فيه خير ما رماه الطير) أو: الطبيب الكفء لا يحتاج الغربة لأنه يغتني في بلده بسهولة، الأمر نفسه حين تحتاج إلى (ميكانيكي أو كهربائي سيارات) وهكذا..
الأردنيون هنا أمرهم مختلف،(فيهم المتوسط والعادي والمبدع..الخ. وخيرة شبابنا هنا!! أفضل المحاسبين هنا وأفضل الإعلاميين والإداريين الذين يقومون بأعباء المؤسسات التي يعملون لها بكل كفاءة واقتدار حتى يرتقوا بها، يقومون بأعمالهم بمهنية عالية جدا وبإخلاص شديد، ولا يتوانون عن نقل خبراتهم إلى زملائهم من أبناء البلد المضيف أو الجنسيات الأخرى..
صديقي(أ.ب) مجرد مثال.. كان مدققا ماليا في مؤسسة رسمية في الأردن معنية باستقطاب الاستثمارات، وكما أخبرني فإنه شبه الوحيد في تلك المؤسسة الذي كان راتبه على كادر الحكومة العادي، والآخرون من حوله يعملون بعقود خرافية، أقصد يجلسون في المؤسسة بعقود خرافية لأنه هو والقلة من أمثاله الذين يعملون، فأصحاب العقود كانوا جميعا من أبناء المسؤولين الكبار السابقين واللاحقين، ولا توكل لهم مهمات لا تليق بمستوياتهم.
حضر صديقي (أ.ب) إلى الإمارات بتأشيرة زيارة، بحث عن عمل، وبعد شهرين اتصل بمديره يطلب إجازة بدون راتب، إلا أن مديره رفض !! دهش الرجل..: ووضع دائرته أمام خيارات منطقية وهي: إما أن تمنحوني إجازة بدون راتب حسب ما تقتضيه القوانين لأعمل هنا.. وإما أن تبتعثوني فأمثلكم هنا فأكون مفيدا في جلب الاستثمار للبلد، وإما أن أعود إليكم بنصف راتب أحد الجالسين على المكاتب يحلون الكلمات المتقاطعة، وإما أن تقبلوا استقالتي.. وبدون تردد أجاب المدير (أو المديرة لا يعنينا): أما الإجازة فتعلم أننا لا نستغني عنك.. وأما تعديل وضعك فليس بيدي.. وأما أن تمثلنا في الخليج فهذا غير مطروح.. وأما الاستقالة فبإمكانك أن ترسلها بالفاكس .. هكذا ببساطة تم الأمر، ولم يفهم صديقي (أ.ب) كيف لا تعطي جهة شخصا ما إجازة لأنها لا تستغني عنه.. وفي الوقت نفسه تقبل استقالته بالفاكس!!
هل المسؤول الذي يفعل هذا تعنيه مصلحة البلد؟ أم أنه من النوع الذي لا يحب أن يرى شخصا متميزا حوله بوصفه جاء إلى موقعه بدون استحقاق أو أنه ورث موقع المسؤولية الذي يعتبره ملكا خاصا ولا شأن لمصلحة البلد بالمسألة!!
لماذا يساء استخدام القانون إلى هذا الحد؟ لماذا لا يقدر المسؤول (في مثل الحالة المدروسة هنا مثالا فقط) أن المغترب الأردني صاحب الكفاءة حين يكون محافظا على وظيفته في الأردن يكون موقفه التفاوضي أقوى عند أي تعاقد، وهذا يعني الخير للبلد والأهل والأقارب والتحويلات بالعملة الصعبة...الخ، وأنه سيعود إلى موقعه في وطنه بخبرات جديدة تفيد الوطن، هذا لو كان المسؤول يشعر بالمسؤولية تجاه البلد أصلا!
وعندما يتفاوض أحد أبنائنا أصحاب التميز على تعاقد خارجي .. لماذا لا يقف معه (ومع البلد) مسؤوله بأن يقدم له عرضا منصفا بالبقاء مقابل مكافأة مجزية تقل عما يأخذه شهريا مستشار يجلس في بيته ولا يقدم للبلد شيئا، ويتم التفاوض في التعاقد على هذا الأساس فيكون الشخص مفاوضا من موقف قوي ولا يخرج من البلد إلا إذا حصل على عقد مجد له وللبلد وبالتالي تقل لدينا هجرة الكفاءات..
صديقي(أ.ب) بعد عام واحد أصبح مديرا ماليا لشركة فرنسية كبرى (عابرة للقارات كما يقولون) في دبي، وهو الآن يدير ماليا إحدى كبريات الشركات المعنية ببناء الأبراج، ويدرب في أكثر من معهد.. يعقد دورات للإدارة المالية لدى أكثر من جهة.. ومثله كثير، ولا يفكر بالعودة قريبا ..
يتساءل أخونا (خميس بن جمعة) بطيبة قلب: هل هذا يعني أن الأردن فعلا بلد طارد للكفاءات؟ لماذا؟ وكيف؟ ولمصلحة من؟ .. ثم (يمعط) شعره بجنون صارخا:: لو كنت مكانه كيف لمثلي أن يفهم إجباري على الاستقالة بحجة عدم الاستغناء عني!!! ( أي لا .. بدي أهجّ مو أهاجر بس)
Amann272@hotmail.com