من خلال متابعتي لما يجري في الجارة الشقيقة سوريا عبر هذا الفضاء الافتراضي، كنت قد شاهدت مشهدا يرفض فيه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مصافحة وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم عقب الانتهاء من مؤتمر صحفي مشترك لهما.
الموقف أثار فضولي كثيرا في معرفة السر الكامن وراء حزم، ورزانة، وصرامة لافروف الذي لم أراه يوما مبتسما؛ فهو دائما عابس الوجه، متجهم، عاقد الحاجبين، كل ذلك يؤشر لنا على شخصية لا بد من معرفة أسرارها.
لافروف من مواليد برج الحمل في خمسينيات القرن المنصرم. والده ذو أصول أرمنية، ووالدته روسية من جورجيا، وقد كانت والدته تعمل موظفة في وزارة التجارة الخارجية الروسية (السوفييتية سابقا).
يتقن لافروف على ما يبدو أربع لغات بالإضافة إلى لغته الأم، وهي: الإنجليزية، والفرنسية، والديفية لغة مالديف، والسينهالية. والأخيرة هي لغة أهالي سيريلانكا، لهذا عين بادئ ذي بدء ملحقا دبلوماسيا في السفارة السوفييتية "سابقا" في سيريلانكا.
بناء عليه، وبالعودة إلى صفات مواليد برج الحمل، ومن أبرزها: الافتقار إلى اللباقة، والدبلوماسية، ورفض الحلول الوسطية، والجرأة في مواقف الدفاع عن الآخرين، يمكن تفسير الموقف أعلاه، خاصة وأن من صفات مواليد برج الحمل أنه لا ينكر بما يحس، وأن ردة فعله تظهر سريعا على وجهه، وفي عينيه أي "اللي بقلبه عراس لسانه".
ولهذا بدت سريعا على وجهه، وفي عينيه، ردة فعله على مطالبة بن جاسم في تدخل الناتو في سوريا كما في ليبيا -وهو ما ازعج لافروف- بأن رفض مصافحته في نهاية المهزلة الصحفية. فتجلت صفات الافتقار إلى الدبلوماسية، واللباقة، ورفض الحلول الوسطية، في أبهى صورة لها في هذا المشهد التاريخي.
ورب سائل يتساءل: كيف يقوم هذا الرجل بعمله الذي يفترض به أن يقوم بأكمله على الدبلوماسية رغم افتقاره إلى الدبلوماسية؟
حسنا، أجيب على هذا التساؤل بشقين، الأول: أنه لا يشترط بكل وزير خارجية ناجح أن يكون دبلوماسيا لبقا، كما أنه لا يفترض بكل دبلوماسي لبق أن يكون ناجحا كوزير خارجية، إنما الأهم من ذلك كله أن يكون وزير الخارجية سريع البديهة، وهذا ما يفسر ميول لافروف الشاب ذي ال18 من العمر، لدراسة الفيزياء قبل أن يغير رأيه لدراسة العلاقات الدولية.
والشق الثاني: يزداد تألق وزير الخارجية في عمله إذا توفر لديه إرث عملي يستند إليه في عمله، ويستمد منه ما لزم لأي موقف يتعرض له اثناء عمله، والإرث لدى لافروف هو والدته التي كانت موظفة في وزارة التجارة الخارجية الروسية.
إذ أنه ووفق مبادئ مندل الوراثية، فإنه يفترض بالابن أن يحمل 50% من صفاته من والده، والبقية ال 50% الأخرى من والدته، وعليه، فإن لدى لافروف إرثا عمليا يحسد عليه.
هذا من جهة، من جهة أخرى يشار إلى أن لافروف يهوى العزف على القيثار، وكتابة الأغاني، والشعر، وهو رياضي من الدرجة الأولى، فهو من هواة متابعة مباريات كرة القدم، وهو من أنصار نادي سبارتاك موسكو.
ماذا يفسر هذا؟
كونه يكتب الشعر والأغاني، فذلك يفسر أنه عاطفي، وهي من صفات مواليد برج الحمل بالمناسبة، وعاطفته هنا ليست عطفا على ابناء الشعب العربي السوري الشقيق، بل عطفا على مصالح بلده، لهذا انفعل لافروف عندما أحس بخطورة تدخل الناتو في سوريا على مصالح بلده، فترجم انفعاله برفض مصافحة من يطالب بإطلاق شرارة الخطورة.
وكونه رياضي، فذلك يفسر أنه ديناميكي، وتتجلى ديناميكيته في عمله كوزير خارجية، وهو عمل يتطلب الترحال من بلد إلى بلد آخر، دون ملل أو كلل.
أشير ختاما إلى مفارقة انتبهت إليها عندما قرأت أن والدته من جورجيا. والمفارقة أن وزير خارجية الإتحاد السوفييتي إبان إحتلال / دخول العراق للكويت عام 1990 هو إدوارد شيفاردنادزة، وهو من جورجيا، لكن ليست هنا المفارقة، إنما في الفرق الشاسع بين موقف شيفاردنادزة من العراق، وموقف لافروف من سوريا. فالأول كان لعبة بيد جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، أما الثاني فقد كان شوكة في حلق وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، وما زال كذلك بالنسبة لأي وزير خارجية أميركي، وشتان ما بين موقفي روسيا: أمس واليوم.
خمس لغات، عزف على القيثار، كتابة الأغاني والشعر، وعشق الكرة المستديرة، هي شخصية لافروف الذي يرفض لغاية الآن المساومة على سوريا، ورفض المساومة صفة موجودة في قاموس برج الحمل.
بالمناسبة، أنا ووالدي الطيب من مواليد برج الحمل، والبقية لديكم.