مجتمعنا بين تصاعد جرائم القتل ودعوات الغاء «الاعدام»
حسين الرواشدة
14-04-2009 05:45 AM
منذ منتصف عام 2006 ، لم ينفذ حكم الاعدام في بلادنا ، (الارقام تشير الى وجود 42 محكوماً بالاعدام) ، ويتزامن هذا مع توجهات حكومية تحظى بدعم من بعض فقهاء القانون والمؤسسات التي «تحالفت» لمناهضة عقوبة الاعدام ، من خلال تمرير مشروع قانون معدل للعقوبات يتضمن الغاء هذه العقوبة او حصرها في جرائم محددة جداً.. كاستجابة لمطالبات دولية لم تعد خافية على أحد.
لا اريد ان أخوض في السجالات القانونية التي انخرط فيها مؤيدو الفكرة او معارضوها ، ولا ان اتساءل عن جدوى هذا «الالغاء» وما اثير من اسئلة على ضفاف بعض الجرائم التي ستستثنى من هذه العقوبة ، لكن من المفارقات ان مؤسساتنا الدينية وعلماءنا الأفاضل كانوا غائبين تماما عن النقاش ، اذ لم نسمع فتوى او اجتهادا من احدهم حول «موقف الشريعة» من العقوبات عموما ومن الاعدام بشكل خاص ، ومن المفارقات ايضا ما يتعلق بالتوقيت ، ففي الاسبوع الماضي فقط شهد مجتمعنا جملة من الاخبار غير السارة عن جرائم قتل بشعة ، ارتكبها البعض بحق «محارمهم» سواء كانوا اشقاء او شقيقات ، وارتكبها آخرون اثر مشاجرات دامية خلفت وراءها ضحايا من الجرحى (ما حدث في الكرك مثلا واسفر عن اصابة 9 اشخاص اثنان بحالة خطرة) ، فيما لا تزال التحقيقات مستمرة اثر جريمة قتل عراقي في الطفيلة ، الى غير ذلك من قصص الشروع في القتل والاغتصاب والاختطاف (احد المواطنين قدم شكوى ضد اشخاص اختطفوا ابنه منذ ثلاثة اسابيع وطالبوه بفدية 270 الف دينار).. ووجه المفارقة هنا ان الحديث عن الغاء «الاعدام» يتزامن مع «احاديث» لا تنتهي عن قصص مروعة من جرائم القتل التي تداهم مجتمعنا وتتصاعد نسبها فيه ، وكان يفترض - طبعا - ان تتجه التشريعات نحو مزيد من «الردع» وقسوة العقوبة لمواجهة الظاهرة او تحويطها (اذا قلنا سلفا بأن العقوبة الرادعة جزء من الحل) ، لا ان يتساهل التشريع او يتراضى عن القيام بهذه المهمة.. كما يطالب البعض.
لكن المسألة - بالطبع - لا تقف عند التشريعات وحدها ، ناعمة كانت او رادعة ، وانما تتجاوزها الى مشكل عام يعاني منه مهادنا الاجتماعي كله ، وأكاد اجزم بأن اهمالنا لما يصدر من دوائرنا الاجتماعية ، سواء تعلق الامر بجرائم القتل او النهب او محاولات الانتحار او العنف او غير ذلك من صور الانحراف ، لم يعد مبرراً ولا مفهوماً ، فالامن الاجتماعي لأي مجتمع لا يقل خطراً وأهمية عن الامن السياسي او الاقتصادي ، واذا ما قدر لنا ان نضع هذه الجرائم ، ومثلها الاهمال ، على مشرحة التشخيص ، فاننا سنخلص الى نتيجة مؤسفة تختزل «خللا» كبيراً من رؤيتنا وتصورنا لهذه المشكلة ، ويكفي هنا ان نتساءل عن الدور الذي تقوم به مـؤسـسـاتـنـا الاجـتـماعية والتربوية.. أين هو؟ ولماذا نعتقده؟ وعن المسؤولية التي تنهض بها اجهزة التوجيه ، الدينية والاعلامية ، لماذا اختزلت في اطار «الوعظ» المكرر ، او - حتى - لماذا غابت عن استثمار الوازع الديني لدى الناس ، وتعميم ثقافة الرحمة والرأفة والسماحة بدل القسوة والشدة والانتقام التي أصبحت من ابرز سمات مجتمعنا ، هذا الذي كانت ثقافة «العونة» والتعاون والتكافل والحب والمودة سائدة فيه على مدى العقود الماضية.
باختصار ، ثمة ملفات كبيرة على مهادنا الاجتماعي ما نزال نتردد في فتحها ومناقشتها ، خذ مثلا ملف اليأس الذي يسيطر على شبابنا العاطلين عن العمل ، او القانطين من الزواج ، او الخارجين من السجون بلا رعاية لاحقة ، وخذ ملف التقليعات الغربية التي تورط فيها شبابنا من عبدة الشيطان الى الايمو وغير ذلك من الاسماء ، وخذ مثلا «التطرف» نحو الفاحشة وما يتغلغل داخل احيائنا السكينة من نواد تروج للفاحشة ، ومن «ملاه» تفسد الصغار ، ومن صور لم يعهدها مجتمعنا على صعيد الاسرة وعلاقة الابناء بآبائهم وامهاتهم وأهلهم.
انها ملفات خطيرة ، ومسكوت عنها ، وتشكل قنابل موقوتة يتمنى ان نسمع من الحريصين على امننا الاجتماعي من يبادر الى تكفيلها وتحويط «شرورها» قبل ان تنفجر في وجوهنا لا قدر الله.