في ازمة المعلمين .. المنحنى حيث يكون الوطن
د.طلال طلب الشرفات
28-04-2018 06:22 PM
الأضراب الجزئي الذي نفذته نقابة المعلمين قبل ايام اثار اكثر من سؤال وصنع اكثر من اشتباك لا مبرر له ، وأعاد الى الأذهان مخاوف مصادرة الادوار الوطنية للنقابات من تسرع مجالس النقابات قبل الحكومة عندما تنفذ الاضرابات والاعتصامات لقضايا هامشية يمكن حلها وتجاوزها بالحوار الوطني الخلاق الذي لا يلجأ الى استقواء طرف على آخر ، ويخضع لأعتبارات العدالة والمنطق والمصلحة الوطنية العليا وبما يحقق مصالح متوازنة ويضمن حسن سير مرفق التعليم .
اليوم كان وزير التربية اكثر من رائع ورجل دولة بأمتياز في توصيفه ومعالجته لهذه الأزمة وبروح وطنية صادقة تجاوز فيها اساليب كل وزراء الدولة الأردنية في معالجة الخلافات مع النقابات او المؤسسات الأخرى ، واستطاع بمهارة اختيار الطريق الثالث لحل اشكال المنحنى الطبيعى لتقييم الموظف في قطاع التعليم بعيداً عن الرضوخ او الرفض العدمي الذي لا يفضي الى شيء ، وتحدث بمهنية وموضوعية عن أسس التقييم ومضامينه وفحواه وعدالة مخرجاته ، وبسّط اشكالية البصمة بأجراء تكنولوجي يعكس حالة دفتر الحضور والانصراف للمعلمين المعمول به حالياً من خلال نظام خاص يجري اعداده .
اصلاح قطاع التعليم هو المتطلب السابق للأصلاح الأقتصادي والسياسي والتنشئة السياسية التي تعتبر احدى مرتكزات التنمية السياسية تصنع في المدرسة والأسرة ، والأعتراف بالواقع المّر في مدارسنا من حيث كفاءة المعلمين وانضباطهم هي مسؤولية وطنية لا يعيب الوزارة ولا نقابة المعلمين الأعتراف بها ، والمعلم العاجز عن اداء دوره التربوي والاكاديمي لا يجوز ان يبقى عبئاً على القطاع والوطن ، والموظف الذي ارتضى الخدمة العامة يتوجب عليه الانضباط دون خيار ، والتقييم الذي يعتمد المعايير العالمية من اجل مصلحة الوطن لا يجوز ان يغضب احداً من اطراف العلافة التربوية .
ما زلنا نقول ان هناك ثمة خلل بنيوي في قطاع التعليم وأن هذا الوزير الوطني الجاد يعي ما يفعل ويدرك محددات الفضاء الذي يتحرك فيه ويركز على تعظيم الجوامع ، وله فلسفة تحترم في اولويات القرارات الناظمة لقطاع التعليم ولذلك نجده يركز على مرتكزات الاصلاح التربوي في محاور الطالب والمعلم والمنهاج والبيئة التعليمية وتنمية المواهب وديمقراطية احترام الرغبة واكتشاف عناوين الابداع في العلوم المختلفة .
نقابة المعلمين تسرعت في اعلان الأضراب ولا اظن ان ديوان التشريع الذي يرأسه شخصية وطنية حكيمة ومتخصصة في فهم محاذير الدستور ومتطلبات الشرعية الدستورية والقانونية يمكن ان يقبل ذلك ولا يمكن للحكومة ان تكون قادرة علي مخالفة الدستور بمنع حق الأضراب والاحتجاج متى كانت المطالب مشروعة ، والمبررات التي ساقها وفد النقابة الى مجلس النواب لم تكن مقنعة في حدود الذي سمعناه ، واذا كانت الوزارة تغض الطرف عن تحول الكثير من المعلمين الى عاملين في مهن اخرى وبشكل يخالف القانون فمرد ذلك الى ادراك الظروف الاقتصادية الصعبة للمواطن الاردني ولا يجعل من ذلك حقاً مكتسباً ، فالتعليم رسالة قبل ان تكون مكاناً للعيش والتزام المعلم بتلك الرسالة واجب ديني واخلاقي ووطني وقانوني .
مثلما كنا مناصرين للمعلمين من اجل نقابة تمثل حقوقهم ولا نقبل استقواء الحكومة عليهم فأننا لا نقبل ان تتجه البوصلة بالعكس لمصادرة حق الوزارة في تقييم موظفيها بعدالة ولفظ الفاشل منهم اياً كانت نسبتهم ووضع ضوابط للأنضباط الوظيفي ، وفي اطراف الوطن على الاقل – في حدود علمي – قصص تثير الاشمئزاز والحزن معاً في العشوائية والفشل وغياب الانضباط الوظيفي والأهمال في اداء الواجب .
وزير التربية لم يأتي لتغيير المناهج – كما روج لذلك البعض – بل اثبت ان لديه رؤية وطنية ثاقبة تحاكي المعايير الدولية المتقدمة في مخرجات التعليم المدرسي وبخطط متوازية لكل محاور العملية التعليمية ، والطريقة التي انتهجها في معالجة الخلاف الأخير يستحق التقدير فهو وزير من نمط جديد لم نألفه بعد ...!!!