يشكو المزارعون مرّ الشكوى من تدهور أوضاعهم الزراعية التي تدعو إلى الرثاء من خلال تراكم الخسائر التي كسرت ظهورهم وتراكم الديون التي تثقل كواهلهم، إذ يقول رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن أن ثلثي المزارعين هجروا أرضهم لعدم قدرتهم على الاستمرار في زراعة وحداتهم الزراعية، ويقدر رئيس الاتحاد أن خسائر المزارعين قد وصلت إلى (6.5) مليار دينار خلال السنوات الثماني الماضية، وتقدير مديونية المزارعين بـ ( 800 ) مليون دينار بالإضافة إلى جملة من العوائق الناشئة عن عدم استقدام العمالة الوافدة ومضاعفة رسوم تصاريح العمل وضعف الأداء الحكومي في تسويق الانتاج الزراعي الفائض عن حاجة السوق المحلي.
الحقيقة المرة الماثلة للعيان التي لا جدال في ثبوتها أن نسبة إسهام القطاع الزراعي في الانتاج المحلي الإجمالي تتراجع إلى الخلف بتسارع مذهل سنة بعد سنة منذ أمد بعيد؛ ما يؤكد فشل السياسات المتعلقة بتنمية القطاع الزراعي وتطويره عبر الحكومات المتعاقبة، ويمكن القول إن وضع المزارعين ينتقل من سيئ إلى أسوأ، على جميع الأصعدة، وخاصة فيما يتعلق بتحسين الانتاج أو من حيث إيجاد الأسواق الكفيلة باستيعاب الانتاج الزراعي، خاصة بعد إغلاق الحدود العراقية والسورية لفترة طويلة من الوقت، ولم يتم الانفراج الحقيقي في هذا المسار رغم الوعود التي قطعت فيما يتعلق بمعبر ( طريبيل العراقي ).
نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة وجذرية عميقة لمجمل سياساتنا الزراعية من خلال المشاركة الجدية بين وزارة الزراعة ونقابة المهندسين الزراعيين وكليات الزراعة في الجامعات الأردنية والأساتذة والمختصين في هذا الجانب؛ بالإضافة إلى اتحاد المزارعين والمزارعين أنفسهم، من أجل الوقوف على تشخيص الوضع الزراعي بصدقية وعمق، ومعرفة المشاكل والمعوقات التي تواجه القطاع الزراعي بكل وضوح وجرأة، ومن ثم الذهاب إلى وضع الحلول العاجلة والاستراتيجية التي تضمن الانتقال نحو تطوير القطاع الزراعي بطريقة علمية صحيحة.
المزارع الأردني استطاع أن يحقق مرتبة متقدمة على صعيد جودة الانتاج في أزمان غابرة، وكانت المنتوجات الزراعية الأردنية تغزو أسواق الخليج والعراق وسوريا ولبنان بكثافة، وكان المنتج الزراعي الأردني منافساً ومرغوباً، لدى الشعوب العربية، ويساعد في ذلك الطبيعة الجغرافية والبيئة المتنوعة التي تتيح تنوع الانتاج وتعدد المواسم بطريقة مدهشة، لكن من المؤسف أن هذا المسار تعرض للتراجع والانتكاس بدلاً من التقدم عبر منحنى متصاعد.
البيئة الأردنية قادرة على تحقيق التميز في بعض الأصناف الزراعية ذات الجودة العالية، مثل: القمح في سهول حوران، والخضار في مناطق الأغوار والمفرق، بالإضافة إلى اللوزيات والتفاحيات في مناطق عجلون والشوبك، والنخيل في وادي عربة والديسة، كما يمكن التوجهّ إلى زراعة المنتوجات العلفية التي تروى عن طريق إعادة تكرير مياه الخربة السمراء وغيرها من محطات التنقية ومعالجتها بطريقة حديثة، وبعد ذلك يمكننا التفكير في إقامة شبكة انتاجية متكاملة ومنظومة زراعية شاملة، وتعدد خطوط الانتاج التي تكفي لتغطية حاجات المنطقة كلها على صعيد الخضار والفواكه واللحوم والألبان والأجبان والدجاج وبيض المائدة وفق الطرق الحديثة، من خلال الاستعانة بالخبرات الزراعية والتجارب العالمية الناجحة، حيث أن ذلك يشكل مساراً انتاجياً قادراً على توفير فرص العمل والإسهام في تخفيف البطالة ومواجهة الفقر بفاعلية خلال سنوات معدودة.
الدستور