الوئام بين الأديان .. المبادرة والأنموذج
محمد يونس العبادي
26-04-2018 03:15 PM
في ظل ما يعيشه عالم اليوم من استقطاباتٍ بات الدين يحتل حيزاً بينها، نمت الحاجة إلى " الأنموذج" في المشرق الذي بات يتفكك وتتحول مجتمعاته إلى جماعات تبحث عن عنوان الغالبة والمغلوبة كبديلٍ عن عنوان المجتمعات أو العمران البشري، والأخير هو المصطلح الأدق في فهم العقل العربي.
ولأجل إعادة ترميم ما شاب هذا العمران إثر متغيرات دولية برز فيها الدين كعامل هام جاءت الحاجة إلى " الأنموذج" لحوار بين الأديان قائم على ما تتمتع به المنطقة من أصالة وريادية.
وقد كان لمبادرة " أسبوع الوئام العالمي بين الأديان" التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني في تشرين الأول من عام 2010 وتم تبنيها من قبل الأمم المتحدة صدىً عالمي يعبر عنه ملامح عدة.
ومن بين تلك الملامح أن الأمم المتحدة تبنت " أسبوع الوئام العالمي بين الأديان " بالإجماع بما أسس لإطار وآلية مرتبطة بالزمن.
كما أن هذه المبادرة التي جاءت إمتداداً لمبادرة سمو الأمير غازي بن محمد، وهي مبادرة "سواء" ، حملت ملمحاً آخراً قام على ثابتين ومتغيرات عدة.
والثابتين هما إرتكازها على وصيتين تصونان رجال الدين والمجتمعات من بعدها من الإستغراق في الجدل، إذ التزمت المبادرة: بحب الله وحب الجار، دون المساس بأي من المعتقدات الدينية الخاصة.
كما أن المتتبع للمفردات التي وفرتها المبادرة، خاصة في المحتوى الرقمي الموجود عنها في منصات أممية، مثل موقع الأمم المتحدة، يدرك أن الأردن سعى لتقديم "الأنموذج" الذي يحتاجه العالم بخاصة في ترميم ما شاب العلاقة بين العمران البشري في المشرق، إثر صعود الإرهاب الذي حاول البعض إسقاط هوية الإسلام عليه ، فضلاً عن علاقة المشرق ذاته بالغرب.
بهذه الوسيلة التي نمت من كلمة " سواء" وباتت مبادرة عالمية، ومناسبة للإحتفال بإنسانيتنا وجوارنا والإجماع على إيماننا بالله، قدم الأردن للعالم ما يحتاجه من أفكار يمكن البناء عليها.
والمتابع لما تمخض عن الأسبوع من جائزة وتكريم للفائزين بجائزة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لأسبوع الوئام العالمي بين الأديان يرى كم استطاعت هذه المبادرة أن تشبك ما بين الشرق والغرب بمسلميه ومسيحييه.
فالجائزة لهذا العام فاز بها كل من مركز ملبورن من أستراليا بينما ومبادرة للوئام بين الأديان من إندونيسيا ومؤسسة الحوار بين الأديان من بريطانيا.
هذا التمازج الذي حققته الجائزة، بالإضافة إلى تلقيها (88) تقريراً عن (1232) فعالية أقيمت حول العالم لتكريس الفكرة يعبر عن مدى مقدرتنا على تأسيس ما نحتاج من أنموذج.
وفي قراءة لما جاء في كلمة الباحث والأكاديمي سمو الأمير غازي بن محمد خلال الإحتفالية، فقد أشار سموه إلى أن جلالة الملك نجح في تأسيس حلف فضول جديد لنشر السلام والوئام بين الناس.
فهذا الإستحضار المتأتي من فكر أميرٍ تبحر في الدراسات الأكاديمية التاريخية والدينية له دلالات عميقة، وهو تأكيد لفهم دور الأردن الموصول بشرعية الدين والتاريخ والسياسة الهاشمية، والتي قدمت اليوم "الأنموذج" الذي نحتاج.
وفي هذا الظرف التاريخي الدقيق نستحضر من أوائلنا، كيف صان ذوي الشرعية السلم والعمران، إذ أن حلف الفضول كان العهد فيه " أن لا يظلم أحد إلا وترد ظلامته".
إن الأردن الهاشمي اليوم يؤسس لزمانٍ عالميٍ جديدٍ، أحوج ما يكون إلى المساحات البيضاء، وكأن صوت الشاعر ما زال حاضراً بقوله : " أمر عليه تعاهدوا، وتواثقوا.. فالجار والمتعثر فيهم سالم".
ونختم بشهادة رسولنا الكريم – عليه الصلاة والسلام- بحلف الفضول، بقوله : " : (لقد شهدتُ مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحبَّ أنَّ لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) سلم الهاشميون ، وسلم الأردن .. عماراً وعمراناً.