للمرة الاولى في تاريخ علاقة الولايات المتحدة الامريكية بالعالمين العربي والاسلامي تتبدى ملامح لهجة ناعمة تنم عن مستوى مقبول من الشعور بوجود الطرف الآخر .. واهميته.
في كل محطات توقفه عبر رحلته الاخيرة خارج الولايات المتحدة، كان اوباما حريصا على ارسال رسائل ناعمة الى العرب والمسلمين. رسائل مطمئنة باتجاه ان هنالك توجها جديدا.. توجها يحرص على نسج علاقة حضارية متوازنة بين امتين لكل منهما خصائص حضارية ومساهمات كبيرة في حياة البشرية سواء كانت تلك المساهمات في الماضي او في الحاضر او ما قد يستجد من مساهمات في المستقبل.
اوباما بحكم خلفيته المتعددة الحضارات يدرك جيدا ان العالم العربي والاسلامي قد تم منعه بالقوة من المساهمة في الحضارة المعاصرة بسبب شعور الغرب بان هنالك تناقضا استراتيجيا بين تقدم الامة وتطورها والحاجة الى حماية اسرائيل.. وهو بحكم تلك الخلفية يعلم ايضا ان امة كبيرة، جربها العالم في الماضي فأبدعت حضارة انسانية راقية، قد تم تعطيلها تماما عن المساهمة الفعالة في حضارة البشرية المعاصرة .. وان نتائج ذلك قد حول العديد من امكانياتها الحضارية والمادية والفكرية الى عبء كبير على تلك الحضارة .. وان الاستمرار في حصارها لا يقود الا الى المزيد من ردود الفعل المتطرفة التي يدفع العالم بسببها ثمنا باهضا من راحته ورفاهية شعوبه وامكانياتها.. ويبدو ان الحكام الجدد في امريكا تدعمهم شرائح فكرية واسعة في الاتحاد الاوروبي ربما قد توصلوا الى قناعة مفادها ان الحل يكمن في رفع الحصار عن تلك الامة بحيث يتاح لها ان تركز طاقات شعوبها في التنمية والتعاطي الايجابي مع العالم بدلا من اشغالها في مقاومة ادوات الحصار عليها على حساب عوامل التنمية فيها.
ان دراسة متمعنة لسلوك اوباما السياسي تشير الى احتمالية ان الرجل الذي رسمت له الاقدار ان يتبوأ اكثر المناصب قدرة على الفعل في العالم ربما يسير باتجاه خلق حالة فكرية جديدة قد نقرأها مستقبلا في كتب التاريخ تحت مسمى حركة "الاوبامية" .. ان هذه الاوبامية ربما ستشكل طوق النجاة لامريكا من ذاتها المتغطرسة والتي اثبتت الايام والتجارب انها السبب الرئيسي لما عانته في السنوات الثمانية الماضية تحت حكم مجموعة المحافظين الجدد.. ويبدو ان النجاح يكمن في قدرة اوباما على تأسيس اوباميته الجديدة على اسس قوية ذات ابعاد اخلاقية واضحة وانسانية مع الاخذ بعين الاعتبار صعوبة هذا المسعى في بلد لم يعتد إبتكارات فكرية على هذا المستوى العميق من الانتماء لتضحيات موجهة الى ما وراء الحدود الوطنية.
ولكن يبقى هنالك سؤال لا زال حائرا يبحث عن اجابة فيها الكثير من الدقة والوضوح وهو:
هل يمتلك اوباما الامكانيات المطلوبة لإنجاز هذا التحول الاستراتيجي الخطير في بلد تحكمه مراكز قوى بالغة السطوة والنفوذ ؟..
ان ما يطمئن المراقبين لغاية الان ان اوباما لا زال متماسكا ويحكم سيطرة واضحة على ادارته بشكل فعال.. ولكن ماذا عن المحافظين الجدد الصامتين لغاية تاريخه والذين لا زالوا يتمتعون بنفوذ كبير لدى شرائح فكرية نافذة في الاعلام والمؤسسات المالية والصناعية الكبرى وبيوت الهيمنة الفكرية في بلادهم..
أترى، هل هم منشغلون بتدبير شيئا ما تحت جنح الظلام..؟
سؤال لا بد لاوباما من السعي لايجاد جواب عليه.. وبالسرعة الممكنة قبل ان تتجه الامور بإتجاهات اخرى محتملة..
qatamin8@hotmail.com