بالرغم من اعترافه أول من أمس بإرسال أحد أعضاء حزب الله لتقديم "الدعم اللوجستي" لحركة حماس، فإنّ ذلك لا يقلل من شعبية زعيم حزب الله لدى الرأي العام العربي، بل يمنحها نقاطاً عديدة إضافية!
رواية الحكومة المصرية حول "الخلية التخريبية" التابعة لحزب الله التي تستهدف الأمن المصري، حتى لو قبلنا جدلاً صحتها، لن تجد القبول والتصديق لدى الرأي العام العربي عموماً، مهما طبلت وزمّرت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية المصرية خلف هذه الرواية وأمطرت نصر الله بوابل من التهم والغضب.
نصر الله تحدث أول من أمس أنّ رسول حزب الله كان يهدف إلى تقديم الدعم لحماس في مواجهة الحصار الإسرائيلي واحتمالات العدوان، وأضاف "إذا كانت مساعدة الإخوة الفلسطينيين المحتلة أرضهم والمحاصرين والمجوّعين جريمة، فأنا اليوم في شكل رسمي أعترف بهذه الجريمة. وإذا كان هذا ذنباً فهذا ذنب نتقرب به إلى الله ولا نستغفر منه. وإذا كان هذا تهمة فنحن نعتز ونفتخر بهذه التهمة".
قد يرى البعض في تصريحات نصر الله تهوراً، حيث يؤكد على الروايات الإسرائيلية في ضلوع حزب الله بدعم حماس في غزة. لكن هذه الرواية لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة للحزب الذي يعلن موقفه السياسي بوضوح تجاه إسرائيل، ويقع على قائمة الإرهاب الأميركية، في الأصل، ولا أظنه يبحث عن شهادة "حسن سلوك" من هناك!
في المقابل، فإنّ هذا الخطاب العاطفي- الشعبي يلتقط النزعة الشعبية العربية والإسلامية الصاعدة المتزايدة ضد إسرائيل وسياسات الولايات المتحدة نفسها، حتى داخل مصر التي ألغت فيها الحكومة احتفالات ذكرى مرور ثلاثين عاماً على التوقيع على معاهدة السلام، في إشارة ضمنية إلى خيبة الأمل العربية المتزايدة.
التهمة المصرية، التي تتضمن فتح النار على حزب الله وأمينه العام، تأتي في ظل حكومة الليكود المتطرفة في إسرائيل، التي تشكل إزعاجاً حتى للحليف الأميركي والأوروبي، وتدفع الشعوب العربية إلى نفض اليدين من حلم إقامة دولة فلسطينية حتى في حدود أقل بكثير من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني!
وتأتي هذه التهمة، أيضاً، في وقت تتبدى فيه حالة العجز والضعف لدى النظام الرسمي العربي على مواجهة هذه الحكومة، وعن اجتراح خيارات تؤكد للشعوب أنّ هذه النظم ليست عاجزة، ولديها القدرة على إدارة مصالحها وحماية أمنها القومي.
بدلاً من ذلك تفتح الحكومة المصرية، التي فقدت الكثير من "المصداقية الضعيفة" في العدوان على غزة، النار على حزب الله، وكأنّها تريد الهروب من أزمتها السياسية الداخلية والخارجية إلى أمام، وهو اتجاه خاطئ أحسب أنه يعزز من هذه الأزمة ولا يحلها أو يواجهها.
الحكومة المصرية أرادت أن تقول للشارع المصري والعربي أنّ حزب الله هو خطر على الأمن القومي المصري والعربي. إلاّ أنّ خطاب نصر الله حوّل هذه الصورة والرواية الإعلامية لصالحه، في رسالة إعلامية فحواها أنّ "الحكومات العربية لا تكتفي بالعجز عن دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي، بل حتى تمنع من وصول الدعم المطلوب إليه"!
بعيداً عن مدى صحة روايتي الحكومة المصرية وحزب الله، تبدو المفارقة أنّ هذه القضية ترد على خصوم حزب الله بأنه كان مكفوف اليدين أثناء العدوان على غزة، وأنه خذل حماس، إذ تثبت أنّ الحزب كان يقدم الدعم اللوجستي، بينما الحكومات العربية تمنع ذلك؟!
فمن انتصر في الشارع العربي ومن خسر؟!
m.aburumman@alghad.jo