يرمز العنوان الى ضرورة التمييز ما بين الوجود المادي للعقل متمثلا بالدماغ القاطن في جمجمة الانسان، بل في كافة الجماجم، وبين الطاقة الابداعيةِ الخلاقةِ الموُجهةِ القائدةِ البصيرة المُبصرة التي ينفردُ بها عقلُ الانسان عن غيره من العقول..
عندما تُكبل العقول عن التفكير سواءا بالتكفير او التجريم كما تُكبل الخيول الاصيلة المطهمة عن السباق، وتُمنعُ العيونُ المبصرةُ أن ترى ما يُرى، ويُحظرُ على الأسماعِ أن تسمعَ ما يُسمع ويُخصى الرجالُ مِن رُجولتهم وليسَ من قُدرتهمُ الانجابية، وتعقم النساءُ عن إنجاب الجنس البشري السوي وعن تنشأةِ الاجيال البناءة المسهمة في الحضارة الانسانية، عندها يكون من الضروري تصحيحُ رقم عدد السكانِ وتصحيحِ أعداد الثروة الحيوانية في السجلات، وأن تتغير أهدافُ واولوياتُ الموازنة العامة للدولة..
هل نحن في بلدنا الاردن وبقيةِ البلاد العربية نتفقُ معَ شُعوب العالمِ المُتحضرةِ على تعريفِ العقلِ ووظيفةِ العقلِ وَمسؤُولية العقلِ ومساحةِ حركة العقل ومدى حرية العقل وعدد ساعات عمل العقل وما هو مسموح وما هو غير مسموح للعقل أن يَعقلهُ؟ أم لنا تعريفٌ مختلف؟ هل راجعنا الوضع الذي اّلت إليهِ الدولُ التي استوردنا منها زنازين العقل وقُيودهُ والنفقِ المظلم الذي صفت فيه الزنازين ثم سُجرت وسُعرت؟
لو كان تعريفنا للعقل متماثلا معهم لكان لدينا ما لديهم ولانتجنا كما ينتجون واخترعنا كما يخترعون ولقوينا كما يقوون ولعبرنا كما يعبرون ولكتبنا كما يكتبون ولقرأنا كما يقرأون..
أَتسائلُ هل مهندسينا كمهندسيهم، هل أطبائُنا كاطبائِهم، هل خريجوا جامعاتنا كخريجي جامعاتهم؟ هل ضباطنا كضباطهم؟ هل معلمينا كمعلميهم؟
لقد بقيت المياهُ حبيسة صحراءِ مكة ولا يعلمُ بشر بوجودها حتى نبي الله ورسوله ابراهيم وزوجته هاجر الى أن خاطب ربه طالبا العون: "رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع". ثم تفجر الماء حسب الروايات بركلة من قدم جبريل. جبريل لم يأتِ بالماء معه من السماء ولكنه كشف الغطاء عنه فقط. ومن المعروف أن الماء موجود في كافة الصحاري وعلى بضعة امتار فقط من وجه الارض. كان بامكان هاجر أن تستخرجهُ باظافرها بدلا من مطاردة السراب الخادع. كما كان بامكان القبائل العربية قبلها وبعدها أن تستخرجهُ لو أنها حولت جزءا من طاقتها الشعرية وحولت السيوف الى مجارف وفؤوس بدلا من إبادة بعضهم البعض على قيعان مياه يحتلها البعوض. ولما كان هناك حاجة لان يشرب بعضهم الماء صفوا في حين يشربه الباقون كدرا وطينا على عهدة الشاعر عمر بن كلثوم. هكذا ربينا على طلب النجدة وانتظار القوى الغريبة أو الغربية لتنتشلنا. علما بان الوقت الذي يمضيه معظمنا بالدعاء والتوسل والانتظار كاف لان نحقق فيه ما نريد لو عقدنا النية وأعملنا العقل والاخلاص..
وفي المقابل، ظل البترول حبيس الصحاري العربية حتى كشف عنه الغطاء مهندسوا وجيولوجيوا بريطانيا وفرنسا وامريكا واستخرجوه بعلم وبتكنلوجيا بداية القرن العشرين. ولا زال مُهندسونا واساتذتهم في الجامعات الاردنية والعربية والايرانية بعد قرن ونصف عاجزون عن نقل وامتلاك التكنلوجيا لاكتشاف حقول نفط جديدة بانفسهم واستخراجه وتصنيعه وتسويقه مستقلين عنهم. ومن سخرية القدر أن أحد العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على دولنا بما فيها ايران العظمى والعراق الباسل ومصر العروبة وليبيا والجزائر هو الامتناع عن التنقيب عن النفط وعن بناء مصاف جديدة. نفس القول يمكن تعميمه على بقية المعادن والثروات ما عرف وما لا زال ينتظر. لا زالت هذه الدول تنتظر جبريل امريكا و جبريل فرنسا وجبريل بريطانيا وجبريل روسيا وجبريل ماليزيا . لا زالوا يتوضأون ويحسنون الوضوء لمصافحة والسجود لما يسمونه الشيطان الاكبر. ونحن في الاردن نجرف الفوسفات والبوتاس ونبيعه للهند والصين وغيرهما كما يجرف مربوا مزارع الدواجن والابقار الزبل ويبيعونه للمزارعين. فشلت كافة محاولات التصنيع وافلست الشركات التي تولى إدارتها جهابذة الوزراء من حملة شهادات الهندسة وغيرها. حتى مصنع الملح افلس بقيادة مهندس يملاء الدنيا تنظيرا عن المشاريع القومية وعن نهضة الامة باسرها. مجرد مصنع للملح في بحر الملح. وها نحن نستورد الملح من امريكا والخليج إضافة الى ما يصنعه فلاحوا الازرق الذين لا يحملون شهادة الهندسة ولم يصبحوا وزراء ولا يزعمون انهم قادرون على قيادة الامة..
وحتى أُسهلَ الاجابة على الاسئلةِ السابقةِ أُورد الاسئلة الاستنكارية التالية: هل يثق مزارعونا بمعرفة وقدرات مهندسينا الزراعيين؟ لدينا وزارة زراعة يتزاحم فيها الاف المهندسين على العلاوات والترفيعات والمناصب مع انهم مجرد كتبة تصاريح ، هل اضافوا للعلم ولخبرة المزارعين ولنوعية الانتاج ولكميات الانتاج ما يَستحلونَ فيه خمسة % فقط من رواتبهم أو يُبررون فيهم إصرارهم على لقب مهندس عند مخاطبتهم أو إمضاء أسمائهم على الكتب والمعاملات التي لا تحتاج الى اكثر من توجيهي راسب؟ من المعلوم ان كميات الامطار وكميات المياه السطحية والجوفية وخصائص التربة والرياح ودرجات الحرارة والافات الزراعية تختلف في بلادنا عما هو موجود في امريكا والدول الاوروبية، هل طورت كليات الزراعة نماذج ونباتات وبذور وعلاجات تناسب بيئتنا؟ هل اضافة كليات الزراعة في الجامعات الاردنية لعلم الزراعة العالمي ولتطبيقات العلم في الاردن؟
من جهة اخرى عندما ياتي السياح الى الاردن ويلاحظوا تنظيم السير وشكل الشوارع والدواوير وعدد الشرطة في الشوارع وعلى الدواوير والاشارات الضوئية، هل تعتقدون انهم سيصدقون أن لدينا مهندسين؟
نفس الملاحظات يمكن ان تعمم على اصحاب مهن النجارة والحدادة والكهرباء والدهان والتبليط ..الخ. ما هي نسبة من يتقن عمله منهم؟ هل تصل الى 40% ؟.
هل يعاني افراد الشعب من إعاقات عقلية مزمنة متوارثة وغير قابلة للعلاج؟ أم أن الاعاقة مرض طارئ ومُصّنع؟.
اين الخلل؟ وما هو مصدر الخلل ومسبباته؟ هل نحن منزعجون من هذه المشاهد أم وصلنا الى قناعة أن ليس بالامكان افضلُ مما هو كائن ؟.