يقال دوما، ان كثرة الضرائب، تؤدي الى قلة التحصيلات المالية، وهذا ليس سرا، وفي كل بلد ترتفع فيه الضرائب بأنواعها، تقل واردات الخزينة المالية، والمفارقة هنا، ان زيادة الضرائب، غايتها زيادة التحصيل المالي لخزينة اي دولة، لكن الذي يحدث هو العكس.
معنى الكلام، ان اي خزينة تعاني من العجز المالي، فتضطر الى فرض ضرائب جديدة، او زيادة الضرائب الموجودة، من اجل زيادة التحصيل، ستواجه مشكلة تتعلق بقلة التحصيل المالي لاحقا، لان كل القطاعات ستتعرض الى كساد مالي، جراء ارتفاع الاسعار والمنتجات، وقلة الاقبال على السلع بسعرها الجديد، وهكذا تتعرض الخزينة ذاتها، الى عجز اكبر؛ ما يعني ان هذا الحل سلبي جدا.
هذا النموذج نراه في عشرات الدول، وفي الاردن، فان الحكومات المتعاقبة، لم تجد سوى هذا الحل، لزيادة واردات الخزينة المالية، لكن هذا الحل ادى الى انجماد اقتصادي، في اغلب القطاعات، جراء الغلاء الشديد، وزيادة كلف الانتاج، وتراجع الاستهلاك، وهذا يفسر ان اطفاء عجز الخزينة، لا يجري كما يتم التخطيط له، بسبب رد فعل القطاعات، التي يتخلى عنها المستهلكون.
المفارقة هنا، ان الخزينة تصبح في وضع تتمنى فيه، لو بقيت التحصيلات المالية، كما كانت قبل رفع الضرائب، لكنها تصبح بلا مال، بعد توقف التحصيلات بمستواها القديم، وكأن السياسات الاقتصادية هنا، تؤذي التحصيلات المالية، برغم اعلان المخططين انهم يريدون زيادتها.
قبل ايام قليلة روى لي احدهم انه ذهب مثلا الى المنطقة الحرة في الزرقاء، لدفع الجمرك على سيارة شحنها من الخارج، واذ بمنطقة حيوية، باتت مهجورة، بسبب ضرائب الوزن على السيارات التي تصل الى الف وخمسمئة دينار، في الحد الاعلى للسيارة الواحدة، وما يتعلق بضرائب سيارات الهايبرد، وبالتالي توقفت كل العمليات في المنطقة.
بامكان دائرة الجمارك ان تثبت لاصحاب القرار، ان الواردات المالية انخفضت بطريقة غير معهودة، فبماذا استفادت الخزينة، في هذه الحالة، حين توقفت كل التحصيلات المالية، وما هو مصير العجز المالي، في هذه الحالة في الخزينة، وهل يمكن للجمارك ان تصدر احصائية، لنقارن الواردات المالية، بين الأشهر الاربعة الاولى، من العام الماضي، مع هذا العام، لنعرف جدوى القراراتالاخيرة؟!.
الامر ذاته ينطبق على بقية القطاعات، من السياحة الى الزراعة، مرورا بالصناعة، وصولا الى العقارات والاراضي، وحتى قطاعات اخرى مثل الاعلام، وغيرها من قطاعات، باتت تعاني الكساد والتعثر.
لقد آن الاوان، ان يتم ايجاد حلول لمعالجة عجز الموازنة بغير رفع الضرائب، او فرض ضرائب جديدة، ولابد من وقفة مع هذا الملف، بعد ان ثبت ان الضرر كبير جدا، على كل الاطراف، لان الضرائب المتواصلة، تؤدي الى انجماد القطاعات، وتوقف الاستهلاك، فيتضرر القطاع الخاص بشدة، وتتضرر الخزينة، جراء انخفاض التحصيلات المالية.
هذا يعني ان العجز المالي قد يرتفع، جراء هذه الادارة المالية، التي تتسم بها حكوماتنا، وتبنتها على مدى عقدين من الزمن، والمثير هنا، ان المؤسسات الدولية، تطالب بمزيد من الاصلاحات المالية، وتريد اجراءات جديدة، من اجل الحفاظ على استقرار الوضع المالي للخزينة، وهذا يعني ان هناك اجراءات اخرى مقبلة على الطريق، لكننا دون تحريض، نحذر بشدة، من الاجراءات التي قد تتخذ دون دراسة نهائية من حيث كلفتها على القطاع الخاص، واضراره، من جهة، واستحالة تجاوبه مع الخزينة، عبر توقف الواردات، او انخفاضها ماليا، لاننا نكون بهذه الحالة، قد آذينا انفسنا دون اي نتيجة.
يقال كل هذا، ونحن امام تعديلات ايضا على قانون ضريبة الدخل، والكلام عن احتمال اللجوء الى فرض ضرائب على المغتربين، وغير ذلك من حلول، تقول ان الوضع ليس سهلا، لكن المعالجات، قد لا تكون مناسبة، والادلة على ذلك، نراها في كل موقع ومكان.
الدستور