خطبة الجمعة وصلاتها في مسجد الحي
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
22-04-2018 12:17 AM
يتوافد سكان الحي الى المسجد قبيل انطلاق خطبة الجمعة، منهم من يصل قبل رفع آذان الظهر بدقائق، وغالبية منهم تدخل المسجد وقت الآذان وبعده بدقائق،
يعتلي الخطيب المنبر ويقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فينطلق الآذان الثاني، ثم يستهل الخطيب خطبته بالحمد والثناء على النعم الالهية الكثيرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع في موضوع الخطبة.
ما زال بعض سكان الحي يتوافدون الى المسجد، وبعض الورعين جلسوا متربعين على الأرض، أو في مقاعد وثيرة بين او خلف الصفوف، وانطلق رهط منهم في «تعسيلة» من نوم، بينما الخطيب وصل ذروة القول، ثم يشعرنا بانتهاء الجزء الأول من خطبته، فيقول استغفر الله لي ولكم، يا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
ثم الجزء الثاني من الخطبة، يمتد دقائق أخرى، وهي وقت نموذجي في ساعة بيولوجية، يتأهب فيها المصلون الى إطلاق «التأمين»، وبعضهم يطلق «التأمينات» قبل أن يشرع الخطيب فعلا بالدعاء، ثم ينهي .. وانت يا أخي أقم الصلاة، فيقوم أكثرية من الناس قبل أن تقوم، ولا يلبثون كثيرا «قعودا»، بعد أن يسلم الامام إيذانا بالفراغ من ركعتي ظهر الجمعة، ويخرج أكثر من 50% من المصلين في الدقيقة الأولى بعد التسليم وانتهاء الركعتين، وعلى باب المسجد تتعالى الأصوات الصادمة:
السكان؛ يتدفقون حاملين نعالهم الى بوابة المسجد، وبعضهم يؤدي الصدقة ميكانيكيا، وربما رغبة منه في إسكات صوت المتسولات الواقفات على باب المسجد، اللاتي ينطلقن في خطبة أخرى، يحفظنها عن ظهر قلب، فيها موسيقى خاصة،
تنبؤك بعمق خبرة الخطيب:
والله ما دفعت أجرة البيت منذ أشهر..وداووا مرضاكم بالصدقة .. انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. وشخص يحتاج الى عملية جراحية ولا يملك مالا..ومعرض صادم لإصابات أو تشوهات يعانيها ذوو احتياجات خاصة عافاهم الله وشافاهم.. ونساء خبيرات بالكلمة ووقعها، يبرعن في الطلب والنداء على نبرة صوت تجمع بين النواح الغارق في التوسل وبين نذر الخطر المحدق..
ثم يخرج السكان المصلون من البوابة الرئيسية للمسجد، ليدخلوا في سوق قسرية، مدججة بالنداءات أكثر من احتوائها على البضائع، وكثير من العباد يتزاحمون حولها !.
بكسة البندورة بدينار..الحق حالك البندورة بدينار..الفراولة ..يا الله ع الفراولة، الصندوق بس بدينار.. ونداءات مخصصة للشمام وللبطيخ.. ولمعروضات «أي غرض بشلن وأكثر»..
وأصبح الموقف مألوفا، وما هي سوى خطوات حتى تبتعد عن المسجد وساحته، وتبدأ بإحصاء المكاسب النفسية المعنوية والخسائر الصادمة التي تعرضت لها في يوم تحولت تحيته الى «جمعة مباركة» المعروفة، التي خرج من سلالتها «يسعد قلبك» وقلب قلب أبو اللي خلفك.
اللوحة «سوريالية»، متناقضة، ترتحل في ثناياها بين التعبد، والبحث عن فائدة فكرية او علمية او ثقافية في محاضرة، يتولى فيها موظف الكلام لمدة قد تبلغ 40 دقيقة في بعض المساجد، يعاني منها الشخص المتبصر بأمور العقيدة والفقه ولا يلقي لها المتعبد الأمي والطفل بالا، فكلهم اجتمعوا ليسمعوا ويؤدوا عبادة، وتنتابهم حالة من استقرار نفسي، يعرفها كل عباد الله الذين يلوذون بمعابدهم لأداء الصلوات، لكنها النفسية الورعة ذاتها، تلقي ما حملته، وتتركه داخل المسجد، بعد أن يواجهوا الواقع الممتد أمتارا من داخل بوابة المسجد الى عالم أزلي انقلبت موازينه الى درجة هذيان او «تحشيش»..يسعد حشيشة قلبك.
ترى ماذا كان موضوع خطبة الجمعة !، وقل يا أيها العابدون: تقبل الله طاعاتكم.
ibqaisi@gmail.com.
الدستور.