في المجالس الراقية والغارمة، وفي بيوت العز والمال وبيوت الفقر والهوان، في الجامعات العامة والخاصة، المؤسسات الكبيرة والصغيرة، المقاهي والنوادي، يكثر الكلام والانفعال، ويقل الانصات والاكتمال، تتعالى المزايدات والاشاعات وتتلاشى الكلمات والتأكيدات، وفي خضم معمعة من القصف الكلامي المتبادل ينتهي الرد عند أحدهم ب (حكي فاضي) !! فما هو الحكي الفاضي ؟ ولماذا يكون غالباً رداً على عدم القناعة بكلام الطرف الآخر؟ وهل افتقدت مجالسنا ثقافة الحوار، وتقبل الرأي الآخر، والانتقاد البناء المبني على الحقيقة؛ أم أن الكلام فعلاً هو بلا معنى أو مضمون، وبلا صحة او دقة !
بعيداً عن فلسفة الكلام، وفصاحة اللسان، فقد أصبح الاصلاح الفكري مطلباً لدى الكثيرين، في خضم موجة من الكلام الكثير الدلالات، القليل المستندات، الممتلئ بالاتهامات، المفرغ من التأكيدات، فبات البعض لصاً بظرف ليلة، واصبح البعض بطلاً بنصف كلمة، ساهم في كل ذلك ضعف الاعلام الرسمي تارة وقوة الاعلام الوهمي تارة أخرى! وبين مواقع للتواصل الاجتماعي ومواقع للهدم الفكري؛ باتت المعلومات الصحيحة والبيانات الدقيقة مصدراً نادراً في عالم اصبح فيه الكل مخبراً صحفياً، وعالماً ابداعياً، في عالم اصبح فيه البعض يعلم وغيره لا يعلم، يقيم ويحلل، يفكر ويقرر !
لقد بات الاوان أكثر من اي وقت سبق، في ثورة فكرية بيضاء تجعل من المواقع الاخبارية مواقع تحليلية لا مواقع نسخية، ينسخ كل منها الخبر عن الآخر! مواقع ترصد الخبر وما وراه وليس الخبر وما بعده! مواقع تبحث في الأخبار بعمق ودلالة لا بسطحية وسذاجة! يساعد في كل ذلك منصات اعلامية قوية على اتصال بمواقع التواصل الاجتماعي يقودها فكر ناضج لا هائج! في وجود اعلام مرئي ومسموع قوي يرصد الاحداث بابتكار وابداع، بعيداً عن الاستنساخ والاستصناع!
ختاماً وحتى لا يتهم حديثي هذا بالكلام الفاضي، فقد تصدرت دول كالدنمارك، فنلندا، السويد، هولندا، النرويج، سويسرا، سنغافورة، كندا، المانيا، المملكة المتحدة واستراليا المقاييس العالمية بالشفافية، وتداول المعلومات الدقيقة بينما جاءت العديد من الدول العربية من بين أكثر الدول نقلاً وتداولاً للكلام الغير صحيح والفساد والرشوة، محلياً فقد خطى الاردن خطوات جريئة في التعامل الدقيق مع البيانات والمعلومات، ولكن ومع التوسع التكنولوجي بات على مؤسسات الدولة والقائمين عليها العمل أكثر لتحسين مستوى الاداء فكرياً وايديلوجياً، لننتقل بفكرنا من القيل والقال الى الموضوعية والشفافية، لبناء قواعد بيانات سليمة تكفل للمواطن حقه في الحصول على المعلومات الصحيحة بكل سهولة ومرونة، حتى نستطيع الحكم على المتهرب الضريبي والفاسد الحكومي، والمواطن الاستثنائي والموظف الوطني؛ عندها يصبح الكلام كلاماً موضوعياً لا كلام هوائياً.