القيادات السياسية والطاقات الشبابية المهدورة
أ. د. انيس الخصاونة
21-04-2018 02:21 PM
موضوعنا اليوم ليس عن بعض وزراء الحظ أوالصدفة ولا عن قيادات المحاصصة والاسترضاء ...حديثنا اليوم ليس عن قيادات دفعت بهم عشائرهم أو قبائلهم لإشغال مواقع سياسية وإدارية متقدمة لا تتجاوز معرفتهم بها معرفة راعي الإبل بالفيزياء النووية..لا نتحدث اليوم عن نفاق بعض الشخوص الذين استطاعوا بممالئتهم وتزلفهم أن يتقلدوا أعلى مواقع المسئولية ..كل هذا أصبح معلوما ولا ينطوي على كشف جديد.حديثنا اليوم عن القيادات السياسية المسنة والطاقات الشبابية المهدورة.
من المعلوم أن قوانين العمل والعمال وقانون الخدمة المدنية وقانون التقاعد المدني والعسكري جميعها تعتمد سن الستين كسن قانوني للتقاعد أو الضمان على اعتبار أن هذا العمر يشكل بداية للتراجع الصحي وربما الذهني، مما يترتب عليه انخفاض في القدرة على التركيز وتحمل الضغط والتوتر الذي يسببه العمل العام. الحقيقة أن هذا السن القانوني يكاد يكون عالمي ومعتمد في معظم أنظمة العمل والتقاعد في كافة دول العالم مع بعض الاستثناءات القليلة جدا.
بالتأكيد لم يأتي اعتماد سن الستين للتقاعد عبثا فقد جاء ذلك نتيجة لدراسات وأبحاث علمية رصينة رصدت فترة التحولات الرئيسية في عمر الإنسان، وأوقات التراجع والتي من مظاهرها تراجع قدرة الشخص على التركيز والربط والتحليل واتخاذ القرارات.
في أوروبا أو ما اصطلح على تسميتها بالقارة العجوز يبدوا أن الأمور تسير إلى التغيير بعزيمة الشباب، حيث يميل عدد كبير من الدول الأوروبية إلى الشبيبة والشباب ً، ففي العام الماضي جاء الفرنسيين بـالشاب إيمانويل ماكرون ليصبح رئيسا لهم وهو ما زال بعمر 39 سنة، وبعده بشهر جاء الإيرلندليون بالطبيب ليو فارادكار رئيسا لوزراء بلادهم وعمره لم يتجاوز 38 عاما،وأيضا جاؤوا شعب سان مارينو بالرئيسة دينيسا دامروسو وعمرها لم يتجاوز الثلاث عقود بعد ، أما خارج القارة فنجد في الجانب الآخر من العالم جاستن ترودو، وكان عمره 44 عاما عند توليه رئاسة الوزراء بكندا.
ماذا عن الوضع في الأردن؟ نظام الخدمة المدنية وقانون التقاعد المدني يحدد سن الستين للتقاعد معتمدا على التجارب العالمية في هذا المجال.أما بالنسبة للعمل السياسي وفي مواقع متقدمة مثل رئيس وزراء والوزراء وأعضاء مجلس الأعيان فيبدوا أن الأمر ما زال مفتوحا حيث نرى بعض من يشغلون مثل هذه المواقع الحساسة وخصوصا الوزارية منها تجاوزت أعمارهم الستين وبعضهم السبعين وربما وصل بعضهم لأبواب الثمانين فهل يا ترى أن هؤلاء يمكن الوثوق بأهليتهم لقيادة البلاد واتخاذ قرارات هامة تؤثر على مستقبل ومصائر الناس؟ لا أعلم فيما إذا كان من تجاوز السبعين من عمره قادرا ومالكا للأهلية الشخصية والذهنية والإدارية والنفسية للولوج في اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالبلاد والعباد؟ وهل لبعض الوزراء في الحكومة ممن تجاوز الخامسة والسبعين يمكن أن يتحمل ضغط العمل والتوتر والذاكرة والتركيز والقدرة على التحمل ؟ وهل الوزراء أو الأعيان المسنين ممن يعانون من أمراض السكري والبروستاتا وربما الزهايمر وبعضهم بالكاد يفرقون بين الجهات الأربع أو يستطيعون الجلوس لمدة عشرون دقيقة دون زيارة التواليت يمكن الوثوق بقدراتهم على اتخاذ القرارات؟
أعضاء الحكومات وكذلك أعضاء مجلس الأعيان ورؤساء مجالس الإدارة ومجالس الأمناء المسنين ربما أنه ينبغي التأكد من قدراتهم الذهنية والشخصية قبل أن يعهد إليهم بمواقع متقدمة ينبثق عنها قرارات جوهرية تؤثر على مستقبلنا.
في كثير من دول العالم يخضع المعلمين الذين يدرسون المراحل الابتدائية والمتوسطة ممن تجاوزوا مرحلة عمرية معينة لاختبارات كل خمس سنوات وأحيانا كل سنة للتأكد من جاهزيتهم وصلاحيتهم للعمل مع أن وظائفهم فنية وتعليمية وليست إدارية. حتى حملة رخصة قيادة المركبات ممن تجاوزوا الستين من العمر عليهم الخضوع لاختبار سنوي للتأكد من أهليتهم للقيادة فكيف الأمر إذا كانت هذه القيادات لشعب منهك ومحاصر ولديه خزينة مفلسة واقتصاد مرهق ومأزوم كاقتصاد دولتنا العزيزة!
بعض أعضاء الفريق الوزاري في الأردن والأعيان ينبغي أن نراقبهم عن كثب ونتأكد من صلاحيتهم الذهنية والعقلية وسلامة قدراتهم وجدارتهم في اتخاذ قرارات حاسمة والأفضل أن نحيلهم للتقاعد ليتمكنوا من نيل قسطا من الراحة لقاء خدماتهم الطويلة وأعمارهم المتقدمة.العالم يسير نحو ضخ دماء شابة ذات كفاءة ونزاهة في شريانات الحكومة ولكن بالتأكيد ليسوا بالضرورة شباب من حلقي الرؤوس وديجتال ممن أهلكوا الحرث والنسل فالأردنيون أصبح لديهم حساسية بالغة من هؤلاء. الشباب الذين نتحدث عنهم هم تلك الشريحة المؤهلة والمشهود لها بالنزاهة والقيادة ،وهم فئة مفعمة بالطاقة وحب الوطن ولديهم الكثير من الأفكار والإبداعات التي يستحقها الوطن،وعلى الجهات المسئولة وصناع القرار أن يجدوا الآليات والسبل التي تساعدهم على تحديد واكتشاف هؤلاء الشباب والوصول إليهم .كثير من هؤلاء الشباب المؤهلين لا يتقدمون للوظائف القيادية المعلن عنها ربما لأنهم لم يعودوا يثقون كثيرا بالإعلانات الحكومية عن الترشح للمواقع القيادية، والآليات المتبعة في الاختيار، فقد أصبح مألوفا بأن آليات الاختيار يشوبها ما يشوبها ابتداء من الإعلانات المصممة لأشخاص بعينهم ،أو شروط التقدم للوظيفة، أو أسس الاختيار والمفاضلة.