في حضرة غريسا مع محمود الزيودي
د. محمد عبدالكريم الزيود
21-04-2018 11:23 AM
يأخذ بيدي وبيده الأخرى يتوكئ على عصاه ، محمود عليوي الزيودي هكذا عرفناه منذ الصغر ، كنا ننتشي فخرا كلما شاهدناه على شاشة التلفزيون وفي الأدوار البدوية وفي أدوار أبناء القرية ، أخذ بيدي وهو يؤشر على حجارة إحدى بيوت غريسا القديمة ، ويقول لي : كيف تم بناء هذه الحجارة ورفعها يا محمد رغم حجمها الكبير ، قاطعتنا صبية ترغب بالصورة معه ، تبسم لها وقال : تؤمري ..
محمود الزيودي الذي تجاوز السبعين لم يغادر قريته غريسا وظل متشبثا بأرضه ومزرعته هنا ، مثلما ظل وفيّا لهويته الأردنية ، مهتما بالتراث البدوي وبالفلكور وباحثا في الأدب الشعبي المحلي والعربي ، يقود سيارته يوميا ذاهبا إلى الإذاعة الأردنية لتسجيل حلقة جديدة من برنامجه اليومي "حكايا أردنية " .
لمحتُ اليوم في عينيه دمعة عندما قال أمام إحتفالية لمبادرة مجموعة من الشباب لإعادة ترميم قرية غريسا القديمة الأثرية ، قال أتمنى أنتم الجيل الجديد أن تنجحوا بما فشلت به أنا أمام تعنت الجهات الرسمية بالتعاون والإستجابة لإعادة إحياء قرية غريسا .
لم تفشل يا كاتبنا المبدع ، لكن ثمة من هناك من يهاجمون الإبداع ، وثمة من هناك من يهاجمون الهوية الأردنية وطمسها وجعلنا شعبا بلا تاريخ ، ثمة من يقلقه أن لك جذور تصل إلى آلآف السنين ولست طارئا مثله .
مشيت معه للسيارة وهو يقول لي عندما صوّرت مسلسل "قرية بلا سقوف" في بداية الثمانينات ، وكيف أخذ أبناء الزيود سقوف البيوت من شجر الحور وبنوا بيوتهم في غريسا الجديدة ، أتيت بالمرحوم محمد الفنخور المعلا وأقمنا له هنا بيدرا على بقايا بيادر غريسا وصورته وهو يذري .
محمود الزيودي الذي يفتخر أنه لم يكمل الرابع الإبتدائي ، كتب جزءا مهما من سيرة الوطن ، من خلال أعماله الدرامية والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية والمسرحية ، ووثق من خلالها أيضا التحولات الإجتماعية للمجتمع الأردني مع نهاية السبعينات والثمانينات .
محمود الزيودي قصة نجاح أردنية يستحق منا التكريم والتبجيل ، لأن من مثله من الأوفياء ، قد غادرونا ، وما زالت ذاكرته عامرة بالتفاصيل والذكريات وبالأمل بالوطن ومبدعيه ..
أغلقتُ باب سيارته وسلمتُ عليه ،وقال لي مودعا : خلينا على تواصل يا دكتور .