لا أخفي إعجابي بالأميركية "أوبرا وينفري" سيدة الحوارات الأشهر والأثرى في العالم، أوبرا رائعة دائماً،"مَعْشرانيه"، لاتبتذل ولاتتصنع، أهم ما يميزها أنها"أخت رجال" بحق، صاحبة واجب لحدٍّ مذهل، كما أن "الي في إيدها مو إلها" و اكاد أجزم أنه "إذا دقت صدرها" فلا شيء يثنيها.. ما يشدني هو سهولة دفق الدموع في عيون الحضور من الجمهور في أستوديوهات "هاربور" الذي يكون عادة من الأناث و "ترشفهن" السريع والتفاعل المستمر.
وأذكر مشهد إحدى الحاضرات عندما استضافت "أوبرا" في حلقة عن تحقيق الأماني شابة عشرينية وقالت بحزن وانكسار "إنها لم تتمكن من التصييف والسفر منذ طفولتها، وإنها تتوق لعطلة تقضيها تحت شمس البحر"؛ بعدها وجِّهت عدسة الكاميرا على وجه سيدة من الحضور وهي تضع يدها على فمها الفاغر وتتلفظ "اوووه ماي قاد!!" وثانية ترقرق الدمع سخياً في مقلتيها، و مزيونة أخرى كادت أن "تُدوش" أقصد تدوخ من الصدمة، أما أوبرا فقد وضعت يدها على يد الضيفة الـ"معثره" بحنوٍّ واضح..
أيضاً أنا "ترشفت" قليلاً على الضيفة قليلة البخت، فأنا أوفر بختاً منها، فقد صيفت منذ سني المدرسة الأولى في بيت جدتي العتيق في معان،حيث كنت أُرسل وابنة خالتي في بداية العطلة في "إقرود" سياحي، في هدف معلن يندرج تحت باب "تطيير الشر" فصل "تغيير الجو"، جدتي الطيبة كانت ترحب بنا على طريقتها ففي انتظارنا عادةً "قشاطة" تم قصها وتقصيرها لتتلاءم مع قاماتنا الفادحة الضآلة.. وللأمانة كانت مناسبة جداً، بحيث لم نكن ننحني أبداً ونحن نمارس طقس "شطف الحوش" الصباحي ونوبة ما بعد العصر.
التشميس أو "البرونزاج" الطبيعي الذي كنا نحظى به مجاناً، لم يكن فقط من "وسوسة" جدتي المسكينة وشغفها الكبير بنظافة "الحوش" _وهي تردد على مسمعنا: "غَسل وجهك ما بتعرف مين يبوسه.. ونظف بيتك ما بتعرف مين يدوسه"_ بل من كرمها المُتعب وهي ترسلنا بـ"طبايخ" وصحون مغطاة إلى الجارات، مرة عاشوراء، وأخرى فضيلة، لكن الظفر بـ"كَروه" ترن في الصحن يخفف علينا تعب المشاوير..
سرحت بخيالي بعد تلك الحلقة، ماذا كانت ستفعل "أوبرا" لو رأتني أُصيف على متن "القشاطة القزم" في فيافي حوش جدتي الواسع في عزِّ شمس الظهيرة، وأتوه في تصريف كميات الماء الهائلة التي كانت جدتي تَدْلعها علينا دون رحمة أو هوادة من بربيش بلاستك؟!.. بل ماذا كانت ستقول "أوبرا وينفري" اليوم لوعلمت أنه ليس "القشاطة" فقط تُقزّم وتُفصّل على مقاسنا، بل أيضاً الأحلام المشروعة "تُقيَف" كالملابس بالقطعة، سلاح الأماني قلم بلا "فُطعه"، حتى جنون الكتابة يقاس بالقطعة، درب الحب العتيق أشبه باللطعه، وأهم من ذلك النهاية الأكيدة بالصفعة..
hindcolors@yahoo.com