لا نستطيع اليوم ان نقدم للعالم مصانع “للطائرات” او مشروعات لارتياد الفضاء او غيرهما من منتجات الحداثة التقنية التي سبقنا اليها، ولكننا نستطيع ان نقدم مشروعا اخلاقيا وقيميا، او روحا تعيد للانسان حياته وسعادته ايضا، لا يجوز للمسلم ان يخاف من العصر، ولا ان يتعامل معه من منطلق الخصومة التامة، فهذا المنجز الانساني في العصر لنا نصيب منه بعد ان كنا شركاء فيه، وهؤلاء المليار ونصف المليار مسلم يمكن ان يضعوا بصماتهم على عصرنا.. اذا ما التزموا بالايمان..وفهموا الدين وتحرروا من الخوف والانقياد.
في سورة العصر التي اقسم الله تعالى في مطلعها “بالعصر” يضع لنا الخطاب القرآني تصورا للخروج من حالة “الخسران والافلاس” التي تصيب الانسان، فالناجون منه صنف من البشر “آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” بمعنى ان الايمان الصحيح المقرون بالعمل والاجتهاد شرط من شروط التمكين والانتصار ثم ان اقامة موازين الحق والعدل وعدم الاستعجال والتأني والصبر، شرط آخر لا بد من اعتماده.
يبدو ان المسلمين اليوم في ازمة مع عصرهم، بعضهم ذاب فيه حتى لم يعد له من خصوصيته اوهويته -او حتى دينه - الا ما ورثه من اسماء وألقاب وحروق وشكليات، وبعضهم اشهر رفضه له وقطيعته معه فانعزل وآثر الانزواء بعيدا، والقليل استطاع ان يفهم هذا العصر، وان يتعامل معه انطلاقا من تعاليمه وتقاليده وخصوصياته، فاستفاد من منافعه وايجابياته، واستثمر ما انتجته حضارته واستطاع ان يتحصن مما ادخله علينا من آفات ومشكلات.
بالطبع، لا يمكن للمسلم اليوم ان “يعتزل” عن العالم او ان يضرب على نفسه جدرانا من القطيعة، وبالتالي فهو مطالب بأن يتعامل مع عصره، ومع العالم اجمعين لكن هذا التعامل يحتاج الى مقدمات وشروط اهمها ان يفهم دينه، وان يعتز بأمته وحضارتها، وان يحافظ على تراثه الصحيح ويتسامح بقيمه الفاضلة وان يسعى الى التقدم للعالم من دائرة القوة لا الضعف، ومن اطار الشعور بالعزة لا الذلة ومن منطلق التشارك لا التبعية.
كيف يمكن ان نجعل ضرورات عصرنا جزءا من مقاصد ديننا وشريعتنا؟ كيف نستطيع ان نقدم انفسنا للعالم وهل يقبلنا بما نكتبه او نقوله او بما نفعله وبما نبدعه من نماذج حية وفاعلة ؟ ثم لماذا تحولنا الى مستهلكين للعصر ومتلقين لأوامره ومتفرجين على تقدمه وعاجزين عن الاستفادة مما وصل اليه من تقدم؟؟.
الدستور