من المألوف أنّ جلّ أسباب الانتحار تعود إلى فشل المنتحرين في حل مشاكلهم النفسية أو مشاكل ذويهم ،فعندما تنسد الأفاق ويتبخّر الأمل في العيش المسالم يقرر المنتحر إنهاء حياته ويكتب في ذيل الخبر ،هذا وقد أقدم على الانتحار «لأسباب شخصية»..لكن من النادر أن تجد منتحراً يقدم على فعلته بسبب فشل العالم كله في حل مشاكله..وهذا ما قام به المحامي الأمريكي البارز «ديفيد باكل» الذي أقدم على الانتحار احتجاجاً على التغيّر المناخي!! تخيّلوا أن يحرق الشخص نفسه محتجاً على التغير المناخي في العالم؟..وهنا البلديات «تخزق برميل ديزل» وتطرطر به بين الحواري للقضاء على الذباب الأزرق والناموس!.
الرجل انتحر من أجل قضية عالمية، لأن كل القضايا المحليّة لم تشغله، فقد تجلّت بوضوحها وشفافيتها..فلم ينتحر «ديفيد» احتجاجاً على معرفة طريقة تسعير المشتقات النفطية ،ولم ينتحر خوفاً على أموال الضمان ، ولا لأنه لم يعد يستطيع دفع الضرائب التي يجهل مسميّاتها ومبرّراتها ،ولم ينتحر أيضاَ لأنه فشل في الخروج من عنق الزجاجة ، ولا لأن الضنك الذي يعيشه يقابله ترف غير مسبوق من الطبقة السياسية ،»ديفيد باكل» انتحر من اجل قضية إنسانية لحته تتعلق بالكوكب كله بعد أن اطمئن على وطنه ، فمسؤولوه يصارحونه بكل شفافية لكل ما يجري في الوطن ، قضايا الفساد توضع كأخبار أولى في المحطات الفضائية، وأي سقطة أو زلة او اتهام لمسؤول مهما ارتفع شأنه لا تتم «كمكرتها» والتغطية عليها وقلبها إلى بطولة ، كما ان كل قرش يدفعه «ديفيد» ينعكس عليه بعشرة أمثاله في الخدمات والتأمين الصحي والتعليم ، لم ينتحر «ديفيد باكل» لأن العجز في الموازنة ارتفع 175% خلال شهرين ، ولا لأن حكومته وضعت ضريبة زراعية على «الجعابير» و»الصيصان» و»العكوب» و»الدريهمة» و»الزعمطوط» ، ولم ينتحر لأن ثلث راتبه يذهب ثمناً للخبز الحاف، ولا لأنه يعرف جيداً ان ما يدخل دولته يكفيها وزيادة لو أنهم «عفّوا»، هو انتحر لأن كل متطلبات الحياة الأساسية مؤمنة له ، فلم يعد يقلقه أي شان وطني أو شخصي ، فانتقل إلى الشأن العالمي ليناضل من أجله..ولأنه لا يستطيع ان يصلح العالم او يقدر على تغيير طريقة تفكيرهم نحو المناخ..أشعل النار بجسده وانتحر..لأسباب غير شخصية!
عقبال ما أنتحر عشان «تهديد انقراض طائر الكيوي» يا رب!.
الرأي