فرنسا والضربة الثلاثية على سورية
أ. د. ناهد عميش
18-04-2018 02:46 PM
انقسمت الآراء في القوى السياسية الفرنسية حول مشاركة فرنسا في الغارات الجوية على أهداف عسكرية للنظام السوري بين المعارض والمؤيد.
فقد عارض عدد من الشخصيات السياسية مشاركة باريس في العدوان الثلاثي ؛ إذ شدد غيوم بيلتير،نائب رئيس حزب الجمهوريون، على" ضرورة ألا يضع ماكرون فرنسا في ركاب واشنطن."
أما رئيس حركة "فرنسا الأبية" جون لوك ميلانشون؛ فقد صرح أنه لا مبرر لمشاركة فرنسا في ضرب النظام السوري. وبدورها عبرت زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان عن رفضها مشاركة فرنسا في هذه الضربتات.
وقد غرد ماكرون أنه أقنع الرئيس الأميركي بعدم الخروج من سورية ، وهذه رسالة من فرنسا بأن قرارها في المشاركة لم يأت لمجاراة أميركا؛ بل إنها لعبت دوراًأساسياً في هذا القرار. ولكن سرعان ما جاء الرد الأميركي بأن لدى الرئيس الأميركي ، دونالد ترامب، رغبة في خروج القوات الأميركية من سورية بأسرع وقت ممكن.
السؤال المهم هو : لماذا قررت باريس المشاركة في هذا العمل العسكري ، وبخاصة أن ماكرون صرح أن العملية العسكرية هي ليست حربا ضد الرئيس السوري؛ بل إنها استهدفت قدرات النظام على إنتاج واستخدام الأسلحة الكيميائية.
وكانت فرنسا قد وضعت في أيار/ مايو 2017 خطاً أحمر ضد استخدام السلاح الكيميائي في سورية ، وهذا ربما يكون احد الأسباب التي دفعت باريس للمشاركة؛ إذ وبحسب ماكرون ؛ فإن بشار تجاوز هذا الخط مرات عدة . وكان قد صرح في السابق انه إذا كنّا قد وضعنا خطوطاً حمراء ولَم نكن قادرين على فرضها ؛ فهذا يعني أننا ضعفاء.
ربما يكون هذا السبب الظاهر للمشاركة الفرنسية ، ولكن من المؤكد أن فرنسا تريد أن يكون لها دور مهم في الحل السياسي. وهذا لن يتحقق إذا بقيت خارج ساحة المعركة، إذ إن اللاعب الرئيسي في الآونة الأخيرة هو روسيا . وهذا حتماً لا يعجب المعسكر الغربي الذي لطالما كان له دور أساسي في منطقة الشرق الأوسط.
فقد قال ماكرون أن "الهدف هو بناء ما يسمى بالحل السياسي الشامل" وإحياء الحركة الدبلوماسية الفرنسية الهادفة إلى "التحدث مع الجميع" وهو يشير هنا إلى إيران وروسيا وتركيا.
وبما أن النظام فرض قوته في الآونة الأخيرة فإن هذا سيكون عائقا في التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع ترضي جميع الأطراف، لهذا فإن محاولة إضعاف النظام تهدف إلى تحقيق توازن في القوى على الأرض.
في عهد ماكرون، كان دور فرنسا يتعاظم في الشرق الأوسط والذي يدل على أنها ما زالت تعتبر المنطقة مسرحاً مهماً كدولة عظمى ، وَمِمَّا لا شك فيه أن فرنسا تُعتبر اللاعب الأوروبي الوحيد تقريباً في إقليم تتنازع عليه القوى والأيديولوجيات.
إن طموح ماكرون بعودة فرنسا لتكون لاعبا رئيسيا في الشرق الأوسط يزيد احتمالية أن تقود فرنسا السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في المنطقة خصوصاً بعد خروج بريطانيا من الإتحاد، ولكن ذلك يتطلب من فرنسا إشراك الشركاء الأوروبيين لتطوير استراتيجية أوروبية مشتركة.
هذه الضربة، وإن لم تعمل على تغيير موازيين القوى من الناحية العسكرية، إلا أنها من الناحية السياسية عملت على خلط الأوراق بالأزمة السورية ، وأعادت المعسكر الغربي عموماً وفرنسا خصوصاً إلى مسرح الأحداث في سورية والمنطقة.