-1-
كمواطن أردني، وعربي ومسلم، أشعر بإهانة عميقة بسبب وجود شخص كأمير فايسبرود في الأردن، بصفة «سفير» لكيان الاحتلال الصهيوني، أنا أصلا أعترض على وجوده في بلادنا كلها، كمحتل وشخص يحمل فكرا عنصريا ضد الإسلام، فكيف أقبله كسفير في بلادي، له حماية رسمية ووضع خاص، لا يليق إلا بضيوف المملكة المحترمين؟
أمير هذا، الذي باشر عمله سفيرا للتطرف والعدوان في بلادنا، اشتهر بتأليف كتابه «حسن الترابي: الناطق باسم الإسلام المتطرف»، ولك أن تعرف من أمير هذا من عنوان الكتاب، أنا لم أقرأ نص الكتاب للأسف، وإن كنت قرأت عنه، وقرأت أيضا ما كتبه مؤلفه عنه، الذي بدا لابسا مسوح الباحثين، ليخلص بنتيجة مفادها، أن الترابي يقف على رأس سلسلة مفكرين وقادة إسلاميين متطرفين، يتعين التحريض عليهم، والحذر منهم، وتهمتهم الخطيرة أنهم يريدون أن يعيدوا لأمة الإسلام مجدها، ويخلصوها من العبودية التي ترزح تحت قيودها، وبدا أن مهمة أمير هي شيطنة الإسلام وحركاته النهضوية، وإلصاق الصفة «الراديكالية» بها، وهي وصفة موجزة لإخراجها من دائرة الشرعية القانوينة، باعتبارها حركات مارقة وخارجة عن قانون العبودية إياه!
يقول «أمير»، في معرض تعداده أسباب اهتمامه بالترابي وفكره، الذي يعتبره المعادل السني للخميني الشيعي(!) أن «هناك سببا آخر يجعل من بحث الحالة السودانية _ أو بصورة أكثر دقة بحث فكر الترابي _ أكثر أهمية، وهو حقيقة أن الكثير من الحركات الإسلامية الراديكالية وكثيرا من الزعماء الإسلاميين الراديكاليين المهمين، يرون في الطريق الأيديولوجية والسياسية للحركة الإسلامية في السودان، قصة نجاح ونموذجا يحتذى به. ويمكننا أن نذكر بهذا الصدد بصورة خاصة حركة النهضة التونسية كحركة متأثرة جدا بفكر الترابي. ولكن التقدير والإعجاب للنموذج الترابي السوداني أعم وأشمل مما يعتقد البعض، بحيث يتم التعبير عنهما من جانب زعماء سياسيين راديكاليين أمثال عبد المجيد الزنداني احد زعماء حزب «التجمع اليمني للإصلاح» في اليمن وإسحق فرحان، زعيم «جبهة العمل الإسلامي» في الأردن ومفكرين مهمين أمثال منير شفيق وعبد الله النفيسي، حيث يشيد الأخير في كتاب صدر له في 1989 بالنموذج الفكري والسياسي الذي تتبناه الحركة الإسلامية في السودان!» انتهى الاقتباس، ولكم ان تستخلصوا منه ما تشاءون!
-2-
أنا شخصيا، بوصفي راديكاليا (حسب تصنيف «امير» هذا) كنت وما زلت وسأبقى، من اشد المعجبين بالمفكر الكبير الراحل حسن الترابي عليه رحمة الله وسلامه، وقد سعدت بقراءة معظم كتبه، والتقيت أكثر من مرة، وكلما زرت السودان كنت أحرص على زيارته ولقائه، حتى حينما كان «معارضا» بعد الانقلاب عليه من رفاق الدرب، زرته في بيته، وكان كما عهدته على الدوام شعلة فكر نير، وروحا وثابة يبتغي نهضة العرب وخلاصهم من العبودية للغرب، وهذا بالطبع سبب كاف لأمير وغيره للتحريض عليه وعلى فكره، وتصنيفهم كأعداء للغرب، مع كل ما تحلى به الترابي رحمه الله من اعتدال ووسطية!
-3-
من السهل أن تتعامل مع عدو يرتدي بزة الحرب، ويشهر في وجهك سلاحه لقتلك، ولكن الأصعب أن يكون عدوك من نوع أمير هذا، الذي يرتدي مسوح الباحثين الدارسين، فيما هو يزرع في قلبك قلما مسموما، وفكرا عدوانيا تحريضيا، على دينك وحضارتك ومفكريك وقادة القلم في بلادك، لم أكن لاشعر بالمرارة ذاتها، لو كان «السفير!» يرتدي بسطارا، ويمتشق بندقيته، فهذا هو الشكل المألوف للعدو القاتل، ولكن أن يكون عدوك متأبطا «أسفارا» وأبحاثا، ومن حملة الأقلام السامة، فهذا مدعاة لمرارة أكثر عمقا، كونه سيستخدم «القوة الناعمة» لأداء مهمته كسفير للاحتلال في بلادي!
الدستور