الاختراق ابن شرعي للإخفاق ..
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
18-04-2018 12:56 AM
لا أعلم إن كتب زميل آخر عن الرئيس هاني الملقي أكثر مما فعلت، حيث كتبت مؤيدا لكثير مما يقوم به، ومنتقدا للقليل منه، وفي الحالتين أعتقد بأنني أعبر عن رأي أقتنع به، وأقدم بشأنه معلومة أعرفها، وهو مجرد رأي صحفي ولا أدّعي مطلقا بأنه هو الصحيح، بل ان مهنتنا ووظيفتنا تتطلب ان نكتب عنه، ونقدم بشأنه معلومات نعرفها.
استمعت لما قاله الرئيس تحت القبة، وكان الرجل في أوضح وأقوى حالاته الخطابية، تحدث كعادته بكل صدق وشفافية، وهي واحدة من المرات المشهودة التي سنسجلها جميعا في الذاكرة، حول ما قاله الدكتور الملقي، الذي بدا متعبا من آثار المرحلة العلاجية التي نتمنى أن تكون قد انتهت وتكللت بالنجاح والعافية، حيث ظهر الملقي متحدثا على طريقة الصائمين، فهم حين يتحدثون، فالقلب هو الذي يقول وليس اللسان، وكان هذا أول وصف ممكن لما قاله الملقي أمس تحت القبة (حديث سياسي شجاع صدر من القلب وقوته في صدقه وشفافيته)، وقبل أن نخوض في بعض تفاصيل ما ذكره الرئيس في مداخلته دعوني «أزعم» زعما، يميز الحكومة الحالية عن كل سابقاتها مع احترامي لكثير من سابقاتها.
عمل الحكومة أصبح أسهل مع الدكتور هاني الملقي، فثمة بساطة وسلاسة كنا لا نعرفها من قبل حول أداء الحكومات، ومن الأمثلة على هذا «وجبات التعديلات الوزارية التي جرت على حكومة الملقي الثانية»، فالصدق والصرامة والصراحة ومواجهة الواقع بكل تحدياته هو أسلوب الرئيس الملقي، حيث لم يضعف أمام حقائق بل أخطاء تحتم عليه تصحيحها، فالتعديل على بعض الحقائب الوزارية متطلب حتمي اقتضته إخفاقات لم يرض عنها الدكتور الملقي، فقام بالتعديل، ووعد بأنه لن يتهرب من مثل هذا الاستحقاق لو اقتضت الحاجة تعديلا على حقيبة وزارية ما، حتى وإن كانت حقيبة واحدة، فالرجل واضح ولا يسمح بالخطأ، وملتزم بأن يكون أداء فريقه مثاليا، ولعل هذا المثال كاف، لتأكيد ما ذهبنا إليه في سلاسة وشفافية وشجاعة حكومة الملقي، ومن هنا يمكننا أن نتناول نقطة مهمة ذكرها الملقي في مداخلته أمس أمام النواب والرأي العام، ألا وهي «الاختراقات في السلطة التنفيذية».
ابتدأ الملقي حديثه بتلاوة آية قرآنية، كان يجب أن يقرأها كما يحفظها وليس من ورقة، بسبب بعض الأخطاء في التلاوة، وهي التي تعامل معها الجميع كما ينبغي فصوبوا من يتلو، حتى وإن كان إماما يصلي في جماعة، فحقه على الناس تصويبه، وهذا ليس بالموقف الغريب فكلنا نخطىء في تلاوة القرآن حتى الحفاظ كلهم يدركون بأنه «يتفلت» من صدورهم ومن ألسنتهم، لكن لماذا ابتدأ الملقي حديثه بتلك الآية التي تخاطب الذين آمنوا بأن يجتنبوا كثيرا من الظن؟، ليس فقط ذكرها الرئيس لأن بعض الظن إثم، لكن أيضا لأننا أصبحنا مع كل أسف نرزح تحت نير التشكيك القاتل، الذي يلهمنا للتندر والسخرية وعدم الاهتمام بالقضايا الوطنية كما يجب، ويفقدنا الثقة بالدولة ومؤسساتها.
ولعلنا كتبنا أكثر من مقالة حول أسباب هذه الظاهرة الطاغية على طبيعة العلاقة بين المواطن والخطاب الرسمي، لكن المعلومة المهمة الشفافة التي قالها الملقي معترفا بها، هي المتعلقة بالاختراق للسلطة التنفيذية، ولا يعني الرئيس بالاختراق أن ثمة «عدو» يتلصلص على الحكومة والمؤسسات ليحصل على معلومات يقدمها لجهات استخبارية معادية، حسب الوقع الذي افهمه شخصيا عن كلمة اختراق، انما الاختراق ثقافي انطباعي، فالنوايا غارقة بالشك، وليس من السهولة اليوم أن يتجنب الناس الاعتقاد والتشكيك بكل شيء متعلق بالشأن العام، سواء أكان صادرا عن جهات رسمية أو أهلية مستقلة.
الذي نتجنب أن نتفهمه كمواطنين ونحسبه لصالح هذه الحكومة، هو شفافية وصراحة وصدق رئيسها، الذي لم يتهرب يوما من الإجابة عن أي سؤال يعرف إجابته وله علاقة بعمل الحكومة، وهذا أمر لم نشهده في الحكومات السابقة على مستوى رؤسائها مع الاحترام لكثيرين منهم، هل تذكرون حديث الرئيس بشأن نجله أو بشأن الشخص الذي قام بعملية سطو على بنك؟ .. هذان موقفان محترمان يسجلان للرئيس ويعبران عما أريد قوله.
«المسج» التي أود أن أوصلها للدكتور الملقي متعلقة بالاختراق المذكور، حيث تصبح الحكومة مخترقة حين يخفق بعض وزرائها، ويفتحون المجال بل ينقلون الروايات القابلة لأكثر من قراءة، والتي يتصيدها المشككون «المختصون» أو المواطنون الذين تغلب على ذهنياتهم حالة التشكيك..
ثمة إخفاقات من هذا النوع، وما زالت تحدث وأنا متأكد بأن رئيس الحكومة لا يعلم، لأنه سيحسمها لو عرفها، وقد سبق لي أن ذكرت موقفا كنت عليه شاهد عيان، لكنني لم أكتب عنه شيئا، فالمطلوب هو حل المشكلة وليس التشهير بها وبأطرافها، لا سيما ان كنا نتحدث عن شأن عام أو شأن وطني.
عافاك الله دولة الرئيس، وشكرا لك على حديثك الصادق الذي كشف ملمحا مهما عن شخصيتك وأمانتها وصدقها ونقائها والتزامها بالوطن والعدالة والمنطق.
ibqaisi@gmail.com.
الدستور