الأردن بين قمتي البحر الميت وقمة الظهران
عمر الرداد
17-04-2018 02:59 PM
في خضم جدالات وحوارات في صالونات عمان السياسية وأوساط إقليمية وعربية ،تم تداول مقاربات تعتقد تراجع الدور الإقليمي للأردن ،على خلفية تطورات شهدها الإقليم والقضية الفلسطينية ،بعد قمة البحر الميت في العام الماضي ، أبرزها لقاءات المصالحة بين حركتي فتح وحماس بإشراف القاهرة ومشاركة غير مباشرة من الرياض وأبو ظبي ،وهو ما فهم منه إقصاءا مقصودا للأردن ،وربما التفافا عليه ،ثم جاء الحراك الخاص بصفقة القرن والقرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية الى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل ، وتنازع الأردن من قبل أطراف عربية وإسلامية، وصايته على المقدسات في القدس.
ظل الأردن طيلة تلك الفترة ثابتا على موقفه ،بالدعوة لمصالحة فلسطينية، ملتزما بمطلب الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية والانسحاب الإسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بما فيها (242،338، وقبلها القرار 194)ومبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة السعودية في قمة بيروت، ليس في إطار مغالبة احد من أشقائه او أصدقائه،وإنما إدراكا وفهما عميقا وارتباطا بالمصالح الفلسطينية ومصالحه العليا في قضايا الحل النهائي (القدس،المياه، الحدود واللاجئين)،ومورست الكثير من الضغوط عليه لتغيير مواقفه ،بما فيها ضغوط اقتصادية لحجب المساعدات عنه، وفي وقت اندفع فيه الأمريكيون والأوروبيون لمساعدته ،في ظل إدراك عميق لأهمية دور الأردن في المنطقة ،حجب الأقربون منه من الأشقاء تلك المساعدات.
الالتزام الأردني بهذه المواقف حينها بدى تصفيقا أحاديا، وخروجا عن السرب ،باعتباران مخططات “كوشنير” بالتعاون مع جهات عربية قدرا محتوما لا يمكن الفرار منه، لكن القمة العربية في المملكة السعودية ،مع ما تفرضه مفاهيم وتوجهات دولة الانعقاد ،تستدير في قرارات جريئة وتعلن ان القضية الفلسطينية،هي قضية العرب المركزية الأولى ،وتطلق اسم القدس على القمة ،وان العرب مع السلام، ولكنهم يرفضون سلاما وفق ما تطرحه صفقة القرن ،بما في ذلك القرارات الأمريكية الخاصة بالقدس واللاجئين،وفقا وتطبيقا للمقاربات والمواقف الأردنية، وتجديدا وتأكيدا لوصاية الأردن على المقدسات في القدس.
ليس واضحا بعد الأسباب الحقيقية في تغير الموقف السعودي الذي شهد اندفاعه غير مسبوقة للتفاعل والتعاطي مع خطة صفقة القرن ، إلا أن خلاصة هذا الموقف الجديد ،تشير الى قناعة السعودية ودول الاعتدال العربي بصوابية الموقف الأردني الثابت،وهو انه بدون حل عادل للقضية الفلسطينية ،يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها الدولة والقدس وعودة اللاجئين ،فان مواجهة الإرهاب ومواجهة المخططات الإيرانية التي تستهدف الدول العربية لن يكتب لها النجاح ،وهو ما تضمنته خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني في المحافل العربية والدولية ،مقابل مقاربة عربية أخرى كانت ترى في مواجهة إيران والإرهاب أولوية،وقد سبق لجلالة الملك التحذير في عام 2004 من هلال شيعي ،تخطط إيران لاستكماله ،من خلال سيطرتها على طريق طهران ،بغداد،دمشق ثم بيروت ، وهو في طريقه الى التحقق ،رغم محاولات عرقلة استكمال انجازه،فهل كانت صحوة من القمة العربية بالعودة للمقاربة الأردنية حول السلام مع إسرائيل؟
ربما يعتقد محللون ان قرار القمة العربية بخصوص القضية الفلسطينية مرتبط بالنسبة لأطراف عربية ، بأسباب ليس من بينها القناعة بالرؤية الأردنية للسلام ، وان مصير القرار سيكون كبقية قرارات القمم العربية السابقة ،في ظل الاحتمالات بانجاز″ طبخات” منفردة وثنائية وثلاثية ،خلافا لقرارات القمة،ومع ذلك فلا يستطيع منصف ان يتجاوز حقيقة ان القرار شكل انتصارا للمقاربة الأردنية ،كما يستبعد ان يكون القرار ذرا للرماد بالعيون ،حيث كان بإمكان القمة تجاوز القضية الفلسطينية المغيبة عن قرارات القمم العربية منذ “الربيع العربي” ،كما تجاوزت الضربة الصاروخية على سوريا وتجاوزت الأزمة القطرية ، خاصة وان هناك موقفا دوليا ممثلا بأوروبا وروسيا والصين يرفض صفقة القرن بصيغتها المسربة،وهو ما يتطلب اشتباكا دبلوماسيا جديدا مع القوى الدولية ،للضغط على أمريكا للتراجع عن توجهاتها.
ومع ذلك يبقى الحراك العربي المستقبلي تجاه صفقة القرن ،وفقا لقرارات القمة موضع رهانات لدى الغالبية من الشعوب العربية ،خاصة وان أرشيف الجامعة العربية يحتفظ بمجلدات حول قرارات أكثر أهمية تم اتخاذها في سنوات سابقة تجاه دعم الحقوق الفلسطينية ، منذ لاءات الخرطوم الثلاث، وبقيت حبرا على ورق،بموازاة رهانات أخرى على إمكانية تحقيق المصالحة الفلسطينية ،وارتباط طرفي النزاع (الفلسطيني / الفلسطيني ) بالمحاور والتحالفات الإقليمية في المنطقة.
كاتب وباحث بالأمن الاستراتيجي.
oaalraddad@gmail.com
رأي اليوم