من يقرأ الايدولوجيا العربية المعاصرة يكن إعجاباً ولو عن بعد لانطون سعادة ، وبصرف النظر عن جوانب من الخلاف العقائدي في تجربة الحزب القومي السوري الاجتماعي ، فهناك ما يجعل من الحزب ومشروعه الحضاري القومي متميزا ويفوق على غيره من الايدولوجيات الحزبية العربية .
انطون سعادة اسطورة ، ومن المفارقات الكبرى أنه مازال ملهما فكريا و سياسيا لجيل من الشباب العربي الذي يلتهم افكاره دون دراية محددة بان مرجعيتها من ادبيات القومية الاجتماعية السورية ،وهذه" حقيقة تاريخية " .
انطون سعادة في كتابه" نشأة الامم " حاول أن يعيد كتابة التاريخ العربي ، وأن يقدم نظرية ثانية في علم الاجتماع العربي لاحقة للاولى التأسيسية لابن خلدون في مقدمته الشهيرة . وهو أول من عرف الامة السورية بالمفهوم الاصطلاحي الذي عرفناه .
القومي الاجتماعي وقبل كل الفصائل و القوى الثورية الفلسطينية و العربية هو من اعلن النفير ضد اسرائيل ، والتحضير لمعركة كبيرة ـ وتعد لخطة جماهيرية تدحر الصهاينة قبل أنشاء دولة اسرائيل . وموقفه من اسرائيل كان صلبا وعنيدا خلافا لاحزاب يسارية وشيوعية ويمنية موقفها من اسرائيل كان مرنا باسم التعايش السلمي و الاممية وغيرها .
الرصيد الحضاري العربي من لأفكار التنوير و العلمانية و الحريات العامة والفردية هو نتاج من موروث فكر انطون سعادة ، فالاخير لم يهادن بمسألة "عملنة المجتمع "، وعلى نقيض احزاب أخرى ارتدت عن العلمانية و تحولت نحو التدين والفكر الديني و التحالف مع السلطة التقليدية . فادبيات القومي الاجتماعي اتسمت بواقعيتها وقربها من المجتعات السورية في سوريا ولبنان وفلسطين والاردن ، وحتى العربي .
في كتابه " نشوء الامم " اصر على أن الامة السورية تتضمن اشكالا متنوعة من أشكال الرؤوس ، وذهب الى امتزا ج السلالات ، و رفض فكرة العرق و الانقسامات ما هي الا اسماء مصطنعة ، دافع عن تفوق و عبقرية الامة السورية ومن سلالتها الكنعانية التي تفوقت بلحظة تاريخية على شعوب شمال افريقا .
قد نكون كاردنيين حرمنا ومنعنا عمدا وعن قصد سلطوي رسمي من مطالعة وقراءة ادبيات انطوان سعادة الفكرية و السياسية ، و لكن في الازمة السورية المتفاعلة بالاختلاف و الاتفاق مع نظام بشارالاسد أكتشفت خيطا وجد لامرئي قومي سوري يربط بين عموم مجتمعات سوريا الطبيعية .
نستطيع القول أن فكرة الامة السورية هيي المعطل الحضاري لاسرائيل الكبرى و العدو الاول لوجود الكيان الاسرائيلي ، وانها رافع وحامل لرايات النهوض العربي ، وما احوج أن تتحول المشاعر اليوم حول مستقبل سوريا الى حركة ناهضة وجامعة بين مجتمعات سورية الطبيعية .
وقد لا أكون أحسنت الفصل والعرض بافكار اندان سعادة ، ولكن وجب الكتابة من باب التحريض للتعرف أكثر وأكثر على سيرة اسطورة فكرية وسياسية عربية الهمت اجيال و اجيال و مازالت منارة تؤثر بالوعي والوجد و الفكر العربي .
و لابد من القول أن الشهيد وصفي التل كان متأثرا عقائديا و سياسيا ووطنيا بافكار انطوان سعادة ومشروعه النهضوي . ولربما من يتتبع سيرة الرجلين يجد أن من وقفوا في خندق العداء السياسي و العقائدي و الفكري لمشروع الرجلين في البناء و النهوض الوطني من مرجعيات واحدة ، وهذا في التاريخ ليس صدفة .
وللحديث بقية ..