ليس كل ما يوجعنا يجب أن نقوله، ولا كل ما يؤذينا يحتاج لقِصاص سريع، ولا كل ما نراه ظُلماً علينا مواجهته بالانتقام، لأن الانتقام ممن يؤذوننا كأنك تحفر قبرين أحدهما لنفسك! فقط نحتاج أن ندرب القلب على بعض الصبر والكتمان، لأن الحقيقة لا بد لها أن تظهر، لتبين لهم كم كنا حريصين على حفظ الود، وتمرير اللغو، وتجاهل الإساءة، وأن رفضنا للانتصار السريع المضمون لم يكن ضعفَ حجةٍ ولا ارتباكاً في الموقف، وإنما طمعاً في تصحيح الموقف وحفظاً لماء وجوههم.
أن تسكت وفي قلبك جرحٌ يتكلم... هذه قمة الصبر، أردتُ أن أكون أنا الاستثناء الجميل لكل أشكال القُبح التي تتوج هاماتهم، رغم قساوة أفعالهم، مدركاً أن الحياة تستمر بالتجاوزات، تجاوز الاساءات والاحزان والندم وتجاوز الأشخاص أحياناً، وكنت كلما أوشكت نفسي على الهزيمة من الحياة، أعقد معها صلحاً جديداً وأسامح مَنْ أحببت يوماً، وأكون على يقين أن العوض الجميل من الله سيكون مبهراً، ولن يشعر بلذة هذا العوض شخص قانط من رحمة الله وأقول: ربما ينتظرني شيء أحبَّ إليّ مما افتقدته.
ألم ترى يا صاح أنه كلما اقتربتَ من أحدهم كان الخذلان أشد وطأة وأشد تنكيلا... والأسوأ من ذلك أن يُساء بك الظن من قبل أحدهم وهو يعلم كل الذي فعلته من أجله! كم مرة قلتَ يا صاح: أنا بخير بصوتٍ مرتعشٍ لم يتجاوز الحنجرة، وكم مرّة فرشتَ لهم مشاعرك أرضاً... وأخفيتَ حزنَك وألمَك خلف ابتسامةٍ باهتةٍ ومكشوفة تقبضُ فيها على جرحك، مؤلمٌ أن تكون صاحب قلب طيّب وذاكرة لا تَنسى، ومؤلمة هي الحياة عندما تصدمك بمن ظننتَ بهم خيراً وتبكي كل يوم على نفس الوجع! هل تمنيتَ يا صاح أن تكونَ غريباً كي تحظى بالاحترام؟
لم يعد لي مزاج للبحث عن أحد .... أتمنى خلوة طويلة، ألقي بها عصا الترحال، أعيد بها ترتيب ما تبعثر من حياتي.
أشتهى خلوة برفقتى بحر وشجر وسماء... وأترك خلفي كلمات و كآبات وأكاذيب وصدمات لولاها لبقيت مخدوعاً لمدة أطول، وشخصيات بغيضة ومواقف سخيفة،،، خلوة ينتهي معها حزني الكبير ويسكت بها غضبي وأنفض يدي من جميع الآلام التي مررتُ بها مرور العِظام.
أفتحُ ذراعيّ قدر استطاعتيّ! وأستقبلُ كلَّ ما هو مكتوب لي، لعلّي أبلغُ الأسباب فأصنع فارقاً ايجابياً لنفسي وأضيف قيمة جديدة لحياتي فالمحنة التي تقربني من الله ستكون حتماً أفضل من تلك النعمة التي تنسيني ذكر ربي.