اسندوا الربابة أو قوموا بعملكم ..
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
16-04-2018 12:53 AM
قبل أيام؛ قام أحد النواب بتوجيه مذكرة نيابية لرئيس مجلس النواب، يطالبه فيها أن يقوم المجلس بإيجاد تشريع يحول دون أن تقوم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بنشر أخبار عن القضايا المنظورة أمام المحاكم، ووقع عليها عدد من النواب، كانوا حتى عشية اليوم الذي سبق التوقيع على المذكرة، من أنصار الحريات والإصلاح والصحافة، وثمة زملاء «محسوبون» على الصحافة من بين النواب الذين وقعوا المذكرة !..
موقف يبعث الناس على الحيرة بشأن طريقة تفكير موقعي المذكرة، لا سيما وأن بينهم من يلوذون بالإعلام «إياه» لتلميع إخفاقاتهم حتى لا نقول مواقفهم، والمواقف التي تثبت هذا كثيرة، يمكننا ان نكتب عنها عند اللزوم أو الطلب أو إنكارها من قبل بعض الموقعين.
شخصيا؛ لست محتارا في الموقف وأستشعر خلفيته، ويمكنني البحث عنه ومعرفة تفاصيله، لكنني لن أفعل لأن الموضوع أقل من عادي بالنسبة لي، إذ لا أتوقع الكثير من بعض الموقعين ولا من آخرين لم يوقعوا، لكن القصة التي تزيد المتابع «غايب الفيلة» حيرة، بعد أن يعلم أن قضاءنا الأردني نزيه، وحر، ومستقل، وكل محاكماته علنية، ويمكن لأي شخص أن يذهب الى المحكمة، ويدخل الى قاعتها، ويتابع إجراءات المحاكمة وسماع الشهود والمرافعات وإجابات المتهمين والمشتكين؛ ما يؤكد استقلالية القضاء وشفافيته وقوته.
وبهذا المعنى فلا شيء سريا في التقاضي وإجراءاته، ويمكن تناقل أخبار القضايا وتحليلها، وهذه واحدة من إشارات السلامة والصحة الديمقراطية في المجتمعات والدول.
فكثير من القضايا تخضع لمحاكمات في الرأي العام في البلدان الديمقراطية، وتقوم خلالها الصحافة «المهنية» بدورها المقدس، بل إنها أحيانا تسبق القضاء في الكشف عن معلومات مهمة حول القضايا المنظورة، وحتى حين تتورط الجهات المسؤولة بقضايا فساد او غيره، تضغط الصحافة عليهم بدورها الرقابي المهني وتكشفهم للرأي العام، وتحول القضايا دوما الى قضايا رأي عام، تلتقطها الجهات الوطنية في الدولة وتقوم بالتصرف القانوني تجاهها، والتاريخ حافل بمثل هذه المواقف كما نعلم.
الذي لا يجوز نشره حسب أعرافنا القانونية والمهنية في الصحافة الحقيقية، هو محاضر التحقيق، إذ لا يجوز نشرها والإبحار فيها على الملأ، فهذا من شأنه أن يعرقل سير القضاء، ويقدم وشايات مهمة للمجرمين أو المتهمين ويؤثر على الشهود وسائر شخوص القضية المنظورة. فالمذكرة بهذا المعنى تتجاوز عن حقائق ومواد دستورية تؤكد استقلالية القضاء وعلنية المحاكمات، ويكون الأمر مؤسفا فعلا حين يقوم مشرعون بالبحث عن تشريع يصادر مثل هذه الحقوق الدستورية.
كان وما زال المطلوب من نواب الوطن أن يبحثوا في تراجع الإعلام المهني الوطني ويقترحوا تشريعات لحمايته ودعمه، لكن يبدو أن هذا الغياب المهني يتيح لهم ولغيرهم ان يمارسوا الفردية والأداء المصلحي القائم على التنفيع والواسطة والمحسوبية، وحين يتعرضون لنقد ما فانهم دوما يلجأون الى الإعلام.
هل تريدون مواضيع مجدية وطنيا وتتعلق بالإعلام؟..
حسنا؛ لماذا لا يسعى النواب الى البحث عن تشريعات تدعم إعلام الدولة، الذي تراجع مسافات، أدت الى غياب الخطاب الرسمي، والتشكيك به، بسبب عدم كفاءة ولياقة كثير من إدارات مؤسساته؟ ولماذا لا يقومون بواجبهم في كشف الالتباس الذي يغلف مشاريع اعلامية كبيرة تنفذها الدولة بمال عام، وتثور حولها أحاديث مبهمة بل مريبة أحيانا؟ ولماذا لا يتواصل النواب مع الصحافة المهنية ويبحثون في تعدد وسائل الاعلام التابعة لمؤسسات حكومية «كالإذاعات» وغيرها، والتي يدار بعضها من قبل أشخاص غير مهنيين، وتفتح الاثير والفضاء على مزيد من التضارب والتشتت في توصيل خطاب الدولة ورسائلها الوطنية؟.
ولماذا لا يبحثون في هدر المال العام على مثل هذه الوسائل؟ فكم إذاعة رسمية تابعة لمؤسسات حكومية في الأردن؟ من يديرها؟ ما حجم موازناتها وكيف وعلى من تنفق؟ وماذا تقدم للشأن العام وللرأي العام؟ وما هو تأثيرها على متابعي المؤسسات الاعلامية الرسمية الكبيرة المعروفة؟..وألف سؤال يغيب عن ذهن أبطال الفتوح الاعلامية الوطنية والقانونية.
اسندوا الربابة أو قوموا بعملكم، وإن شئتم ان تقوموا به فتعالوْا خذوا مليون فكرة مهنية وطنية تقطع دابر المتكسبين من هذا المشهد المنفلت، ذلك إن كنتم حقا تريدون العمل لصالح الوطن والمجتمع والدولة والقضايا الرئيسة.
ibqaisi@gmail.com
الدستور