المتشائمون يرون الاقتصاد في وضع سيء بل إنه على وشك الانهيار , أما المتفائلون مثلي فيرونه مقبولا وقادرا على تجاوز الأزمة .
التشاؤم مثل الإنفلونزا مرض معد ينتقل من النخب الى العامة , وأسرع إجابة على سؤال « كيف ترى الأوضاع : هو أن البلد عم بتنهار . سمعت مثل هذه العبارة من رجال أعمال , كل ما في الأمر بعد التدقيق هو أن أرباحهم تناقصت وأن مشاكلهم الخاصة زادت , لكن هل هذا مدعاة لترويج هكذا عبارة .
ليس صحيحا إسقاط أسباب أزمة عام 89 على الأوضاع الراهنة , فالظروف لا تشبه بعضها البعض, بل إنها اليوم أفضل مئات المرات , وإن حاولنا أن نتذكر تلك الحقبة, فنذكر أن الدول المتعهدة بالمساعدات توقفت عن الوفاء بإلتزاماتها وتوجهت لمساندة العراق في حربه مع إيران آنذاك بينما بقيت الحكومات تدرج المساعدات والمنح في الموازنة بإعتبارها حاصل تحصيل ومقابلها كانت الحكومة تستدين وتستنزف احتياطيات البنك المركزي لتمويل إحتياجاتها , وبالتزامن قرر البنك المركزي في حينها تبديل سياسة سعر صرف الدينار بربطه بسلة العملات ثم تعويمه فانخفض مقابل الدولار الى حدود متدنية, وتجاوزت نسبة الدين الخارجي 200% من الناتج المحلي الإجمالي وبلغ عجز الحساب الجاري 14% منه وعجز الموازنة وصل الى 23%, خزانة خاوية ورصيد فارغ من العملات وتضخم قياسي وبطالة هائلة ومديونية كبيرة وعجز في السداد كل ذلك أدى الى أزمة اقتصادية كبيرة.
كل ما سبق من أسباب ليست متوفرة اليوم ولا حتى جزء منها, المديونية نحو 95% من الناتج المحلي الإجمالي وهي خطرة لكنها الى تراجع ولا تقود الى انهيار وإحتياطيات البنك المركزي من العملات تلبي الإحتياجات لأكثر من 9 أشهر وسعر صرف الدينار ثابت مقابل الدولار بل على العكس كلما إرتفع الدولار حقق الدينار مكاسب إضافية وقد ارتفع أخيراً بنسبة 4% , وهناك دخل سياحي جيد وحوالات خارجية الى زيادة وتدفقات استثمارية زادت بنسبة 7% وتجارة خارجية نشطة بصادرات تصل الى 7.5 مليار دولار والإقتصاد ينمو وإن كان أقل من المأمول.
الإصلاح المالي في نهايته ونتائجه ستكون ملموسة في بندي العجز والمديونية وهناك خطة تحفيز قيد التنفيذ متسلحة بإرادة سياسية ورؤية واضحة وقبل هذا وذاك إرادة قوية للتحول الى الإعتماد على الذات.
أين من هذا كله أسباب تقول أن « البلد عم بينهار».. إرحمونا.
الرأي